أقلام حرة

الكتاب والسلوك!!

صادق السامرائيذات مرة كنت مدعوا على مائدة الغداء من قبل أخ لصديقي ولم أكن أعرفه كثيرا، لكني لبيت الدعوة وحضرت مع صديقي وبعض المدعوين، وقد جذب إنتباهي وجود مكتبة في غرفة الإستقبال خلف المائدة التي جلسنا حولها، وفيها عدد من الكتب التراثية التي كنت قد قرأت بعضها، فوجدتها فرصة للحديث عنها مع أخ صديقي، فبدأت الحوار لكنه تسمر أمامي صامتا وما نبس بكلمة سوى الدهشة وبعض الإبتسام، وإحترت في الأمر وأخذت أرخي عنان كلامي عن الكتب التي في مكتبته، وبعدها ندسني صديقي، فتحولنا في حديثنا عن الطعام وغيره من الأمور العادية البائسة، وعندما غادرنا قال لي صديقي: ألححت عليه في حوارك، وكان علي أن أخبرك بأنه لا يقرأ الكتب وإنما يضعها للزينة، أو أنها جزء من ديكور المنزل!!

قلت: لا يقرؤها؟

قال: نعم، إنها الموضة الجديدة!!

بقي هذا الموقف عالقا في ذهني على مر السنوات، وصرت أحذر أن أناقش الذين أزورهم عن الكتب التي قد أراها في غرفة الإستقبال أو المكتبة الصغيرة في بيوتهم، وكنت أتعجب وأستهجن ظاهرة جمع الكتاب وتخزينه دون قراءة.

ومرت السنون وتبدلت الأحوال ووجدتني في بلاد غريبة، ذات علاقة مع الكتاب عجيبة، وهوس بالقراءة لم أعهده في حياتي، حتى توهمت بأن الحيوانات أيضا تقرأ!!

ففي المجتمعات الغربية تجد الكتاب رفيقا وسميرا وجليسا، وما أن تدخل منزلا حتى تجد عدد من الكتب على الطاولة، وفيها دلالات على أنها تحت القراءة أو قد تم قراءتها، ويدور الحديث عما فيها من أفكار وعن كاتبها وأسلوبه وغير ذلك مما يتصل بالكتاب.

ولو فتشت حقائب النساء في المجتمعات المتقدمة لوجدتها تحوي على كتاب أو أكثر، وكلما تقدم العمر إزداد عددد الكتب في حقائبهن.

وفي الصين واليابان الناس تقرأ بنهم شديد في معظم الأماكن العامة ومحطات الإنتظار ووسائط النقل العامة، فالمجتمعات مدمنة على القراءة، ولديها جوع شديد للكتاب.

أما في مجتمعاتنا فمن الصعب أن تجد مَن يقرأ، أو يحمل كتابا معه في حقيبته، فالقراءة مضيعة للوقت والجهد حسب المفهوم السائد.

وأعود للموقف الذي إفتتحت به المقالة، وربما تتساءلون لماذا ذكرته، والجواب، أن البحوث أخذت تؤكد على أن وجود الكتاب في البيت يؤثر على السلوك، فالبيت الذي فيه مكتبة أو عدد من الكتب يتمتع الساكنون فيه بدرجة من الذكاء، فالكتاب يؤثر على سلوكهم ويساهم في وعيهم ويجذبهم إليه، وسيقرؤونه حتما، ولا يمكنهم تصور أن والدهم أو والدتهم قد وضعته في المكتبة للزينة، فالوعي البشري العام يرى أن الكتاب للقراءة وليس للديكور.

ولهذا بعد عقود وعقود تبين لي خطأ تصوري وإستهجاني للذين يجمعون الكتب في بيوتهم ولا يقرؤونها، فحتى تجميع الكتب له تأثير إيجابي على نماء العقول والنفوس والأرواح في العائلة التي يترعرع فيها الأبناء والبنات في ظلال الكتب!!

قال لي أحد الأصدقاء: "تركتُ مكتبتي عند أقاربي وبعد سنين تبين لي تأثيرها الإيجابي على الذين نشؤوا في البيت، وأن بعضهم قد إلتهم معظمها وبلغ درجة من القدرة الثقافية والفكرية التي تستحق الإعجاب، فكان للمكتبة أثر محمود على العائلة".

وعليه فأن إقتناء الكتب عادة علينا أن ننميها ونغرسها في الأجيال، لأن الأمم الكتبُ ما قرأت!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم