أقلام حرة

الارهابُ باق ٍ ويتمدد..

رشيد العالمفاجعة قتل الفتاتين الاسكاندنافيتين ألمت وصدمت الجميع، كيف للانسان أن يبلغ في وحشيته وإجراميته ولإنسانيته حد اغتصاب وبتر أعضاء الجسد على الطريقة الداعشية، وكيف للانسان أن يجد في سفك الدم وتطيع الرؤوس انتشاءا دينيا وطقسًا روحانيا، بل وواجبا أقدسَ من وَضع لقمةٍ في بطن جائع؟ أي دين يا ترى ذلك التي يحث على الإرهاب ويفبركه ويصنعه؟

إن النظام المغربي الذي كان يتبجق بأن لا يوجد للإرهاب على أرضه الشريفة، بل ويُراهن على تصدير الاسلام المعتدل الصوفي الانساني، أمام هذه الفاجعة، لا يملك إلا أن يخجل من نفسه، وأن يعترف بإخفاقاته المتكررة والمضاعفة، فاجعة قتل الفتاتين وغيرها...، أثبت تماما بأن المغرب وشمال إفريقيا ككل أرض مليئة ببذور التشدد والرديكالية الدينيةوالأيديولوجية التي أنجبت أمثال هؤلاء الذين ارتكبوا جريمة شمهروش، عكس ما يروج له الاعلام الممخزن الذي ما يفتأ ينشر الأكاذيب الباطلة والإفتراءات المفبركة والمصطنعة بهدف تلميع صورة - مع الأسف - لا يتوفر عليها المغرب.

الارهاب ليس كما يعتقد البعض وليد اليوم أو الأمس، الارهاب علينا أن لا ننسا أنه وليد سياسة الدولة، وطبيعة الحكم. 

فمؤسسات الدولة المسؤولة حينما تخفق في ضمان تعليم جيد، وخلق فرص شغل،وإحقاق قفزة نوعية في ميدان الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وكذا النهوض بالتنمية في كافة أنحاء المغرب خاصة المناطق المهمشة وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ترزح تحتها نسبة هائلة من الشباب والأسر فإنها بذلك تسهل وتساهم في إرساء لبنات ووضع دعامات أساسية لبروز التشدد الفكري والأيديولوجي الذي يدفع المتشدد والمتصعب والمعطل والفقير والجاهل بل وحتى المتعلم إلى الاجرام كرد فعل، كعصيان، كتمرد، كهروب إلى الديني والترنسندنتالي، إلى الجهل المقدس، الذي يدفعه في النهاية إلى اختيار الجهاد، باعتباره ملاذا من العذاب، من الفقر، من الحرمان، من التهميش والاقصاء...إلخ، وضمانا للضفر بالفردوس الأعلى حيث - حسب ما يستوعبه عقل الجهادي - النعيم المقيم، وحيث لا يوجد هم وكمد أو غل وشحناء...

سياسة الدولة على امتداد عقود من الزمن ساهمت في دفع كثير من الشباب إلى هذا النوع من الهروب الذي يعد خلاصا سماويا بالنسبة لهم.

أعتقد وأنا لست متشائما على الرغم من أنني لا أجدني إلا متشائها أمام الوضع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المغرب، بأن الإرهاب باق... يتشعب ويتمدد وسيضرب مرة أخرى، ما دامت مؤشرات التنمية البشرية وحقوق الانسان بالمغرب، في انهيار وتضعضع وما دامت سياسة الدولة العميقة تكرس التهميش الاقتصادي والفوارق والاجتماعية بين أبناء البلد الواحد.

في خضم الاخفاق المهول، للدولة المغربية بأحزابها السياسية ونظامها المركزي وحكوماتها وهياكلها المسؤولة يتحتم علينا أن نشك في مقدرة النظام على مكافحة الارهاب، وأن نكون على موعد معه مرة أخرى، في أي وقت وفي أي زمان ومكان...

الحل كل الحل باعتقادي يكمن في عدم الاتكال على الدولة وحدها في قضية مجابهة التطرف والتشدد، بل في ضمان تعليم حداثي وإنساني ومتنور يأخد بعين الاعتبار القيم الانسانية والأخلاقية باعتبارها جوهرا إنسانيا، وليس باعتبارها مصدرا دينيا، الحل في أن تخرج الدولة من فم زجاجة الديني وأن تفصل الاسلام عن مؤسسات الدولة، وأن ترسخ ثقافة قبول الآخر كيفما كان دينه ولغته وثقافته وهويته الجنسية... أعتقد أن هناك الكثير من الحلول، لكن سياسة الدولة الحالية بعيدة كل البعد عن الأخذ بزمامها...

 

رشيد العالـــم - كاتب وباحث

فرنســا

 

في المثقف اليوم