أقلام حرة

مرايا السنين!!

صادق السامرائيالسنون تتوالى والأعمار تتوارى وعجلات الأيام تدوس التراب وما فوقه، ولا تأبه لمخلوق، فإرادة الوجود أقوى من الموجود، والأنام وفود، وأمواج في نهرٍ رَفود، ومهما كنت راكضا ومتسارعا فأنت من الرقود، فللزمن قوة عنود، وللدوران قضاء موعود.

السنون تتصاخب، والأحلام تتواكب،  والخطوات تتناوب، والأفكار تتساكب، والبعض على بعض يتكالب، والناس بالدماء تتخاطب، والوحش فيها يتساغب، وكأنها بالوجيع والأحزان تتجاوب، وتمضي إلى حيث الخراب والدمار وبقوة تتراجب، وتحسب الحياة غابا وعليها أن تتقاتل وتتذاءب، فالموت سلطان على أعناقها يتواثب، وأنها لفي خسر وبهتانٍ يتناكب.

السنون كالأشهر والأسابيع والأيام والساعات والدقائق واللحظات، كلها تعود إلى كنه النقطة، ويبدو العمر وكأنه إبن الومضة التي تشعرك بأنك موجود، أو كالنبضة التي يعلنها فؤادك وينذرك بأنها لن تعود، وأنها سابقتك بخطوها نحو الغياب الأبيد.

السنون تسائلنا وتعظنا وتخاطبنا وتعنفنا وتزعزعنا، لكننا نستكين لما فينا، فنتجاهل كلماتها وحكمة خطابها، ونرتد عاكفين على مطمورات تعتقت في دنيانا، وتمرغت برغائب ذات تطلعات نزقة وغايات شرسة شرهة لا نعرف فحواها ومراميها وبلواها.

السنون الوافدات الواعظات الملهمات، الموقظات الفاعلات القاتلات السابقات اللاحقات الواعدات، لوحات نسطر عليها ما فينا، وميادين لممارسة السلوك الذي يؤذينا ويرضينا، ومحطات للترجل والإرتحال والتواصل في سِفر الحياة اللامعلوم.

السنون هي السنون، والأعوام ذات شجون، والليل ليل تتزاحم فيه النجوم، والنهار عرس شمس تستنهض الطاقات وتمدها بقدرات أكون، وتلك قوانين تحكمنا ومعادلات تستهلكنا، وما نحن إلا عناصر في بودقة تفاعلاتها الدوّارة تحت نار حامية، لو توقفت لبضعة ساعات لتحولنا إلى عصف مأكول، لكننا لا نتعلم وبالشرور نصول.

السنون تتساقط من وجودنا كقطرات الماء المتسربة من بين أصابعنا على رمضاء ذات رمل لهّاب، وكأننا الحجارة المسربلة بالمطر ولا تستطيع الإنبثاق والتفاعل الأخضر مع الشمس، لكنها آنسة بفأس التعرية التي تضربها بتناوب وتواصل، وإصرار على إخضاعها لإرادة الزمن وسطوته وسلطة الإبادة والعدم.

السنون تمتطينا ولا نتمكن من إمتطائها وقيادتها والتحكم بلجامها والسير بها إلى حيث نريد،  لكنها تكون بنا أنّى نكون، وتدور بنا على جمرات الإنشواء والإحتراق والتفحم والخواء، ونحن الصاغرون المستسلمون، فهل نستطيع لوي أعناق السنين، والإتيان بالنصر المبين؟!!

السنون تحيينا وتحيّنا، وكل مرة ونحن أقدر على تدوير عجلات السنين، وإرواء سواقي وجودنا الأمين!!

ودامت الأماني طيبة والأحلام عذبة والإرادة متوثبة!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم