أقلام حرة

سلوكيات لا يمكن قبولها

محمد العباسيكثيراً ما نسمع عن أناس من خليجنا العربي ممن يرتادون الملاهي الليلية.. يتراقصون بين أجساد النساء.. يحتسون من أنواع المسكرات التي تذهب بالعقول.. ومن ثم يلقون بآلاف الدنانير على الراقصات والطبالون من ورائهن.. يصرفون من المال بلا حساب من أجل متعة زائفة زائلة.. سمعنا، بل ربما شاهدنا بعض مقاطع الفيديو التي تؤكد هذا الضرب من الجنون.. نرى أكواما من المال على طاولة أمام أحدهم من هنا وآخر هناك.. ويتسابقان لمن "ينقط" أكثر.. ليفوز أحدهما بلقب الفارس المغوار.. قبل أن ينقضي الليل ويطل النهار !

معتوه من يفعل ذلك.. مجنون بكل معاني كلمات المعاجم وموروثاتنا الأخلاقية التي تحث على العطاء في أوجه الخير من زكاة وصدقة وكفالة الأيتام.. لكنه واقع يحصل ويتكرر من قبل فئات معينة من أبناء خليجنا ووطننا العربي.. يقوم به أولئك البعض ممن مات عندهم الشعور السوي وخلت رجولتهم من النخوة.. هل من المعقول أن يضحي أي صاحب عقل سليم بمال جناه بعد تعب؟ أم أن كل هذه الأموال المهدورة هي مال حرام؟

هل هؤلاء هم من لصوص المال العام الذين نسمع عنهم.. وليس في أموالهم خير ولا بركة؟ فالمنطق السليم لا يقبل هكذا تصرفات مهما كانت الأعذار.. فالذي يجنى المال بالجهد والعمل والتعب بالحلال لا يرميه هباءً منثورا.. لا يبعثره دون وازع من ضمير على أصناف المسكرات وأجساد العاهرات.. أو في صالات القمار.. وكأنه لا يهنأ له نوم إلا بعد خسارة كل ماله في ليلة صاخبة.. وكما يقول المثل الأجنبي (إيزي كم .. إيزي غوو) !

في الماضي لم نكن نسمع هكذا قصص إلا عن بعض "الأمراء العرب" أو ممن في مثل ثرائهم من بعض تجار السلاح أو كبار رجال "المافيات".. وكلنا نعي أن أموالهم حرام.. مسروقة منهوبة من قوت الشعوب المغلوبة على أمرها.. لكننا اليوم نسمع عن شباب من عامة الناس.. يلعبون بالملايين بشكل مشبوه وحولهم مليون علامة استفهام (؟؟) وعلامات التعجب (!!).. من أين لهم بكل هذا الأموال الذي لا قيمة لها عندهم؟؟

البعض قد يكون استلف قرضا أو باع سيارته أو حديث نعمة من إرث أب ظلمهم ببخله طوال حياته.. فتتملكه ساعة جنون وانتقام وثورة وغرور فقط لقضاء أمسية صاخبة.. كالخليجي الذي تناول وجبة بقيمة خمسين ديناراً وترك بقشيشاً بقيمة خمسة آلاف دينار!! البعض قد يكون حرم أهله من بعض أهم متطلبات الحياة فقط للبذخ وتجربة العيش لليلة وكأنه من أصحاب الملايين.. فهل عند الصباح وبعد أن تطير السكرة وتنجلي النشوة ويحل العقل.. إن كان هنالك من عقل.. سيتدارك المعتوه نفسه ويشعر بمدى الغباء والرعونة؟ هل سيتلاحق هذا الأخرق نفسه ويكف عن هذه السفاهة ويعلنها توبة ويتعلم درساً مفيداً ولو بأغلى الأثمان؟ أم سيتمادى وسيحرق كل أمواله التي أتى بها ليرجع إلى أهله خاوي الوفاض؟

أهي الحرية الشخصية هي الملامة في مثل هذه الظروف؟ ألا يتوجب على الحكومات منع مثل هذا الملاهي وصالات القمار لحماية بعض البلهاء من رعونتهم.. كما فعل البرلمان التركي مثلاً بغلق حوالي 80 نادياً للقمار (جريدة الحياة 1998).. هل كان بالإمكان مثلاً أن ننقذ الأسرة اللبنانية في مدينة "ديترويت" حين أطلق الزوج الرصاص على زوجته الحامل وأبنائه ومن ثم انتحر معتذراً عن خسارة كل ممتلكاته بسبب القمار (جريدة الشرق الأوسط 2000)؟ كثيرة هي قصص المآسي المماثلة في العالم.. وحرام أن تسمح دولنا بمثل هذه البؤر المشبوهة وترضى بهدم الأسر الضحية وأن ترضى حكوماتنا بهكذا ممارسات "متعفنة" في مجتمعاتنا "المتعففة".

ربما كانت هي الحرية الشخصية التي تنادي بها مجتمعاتنا أسوة بالغرب الموبوء.. ربما ليس من حقنا أن نحكم ونوصف هكذا بشر بالعته و"الخرفنة" لأنهم أحرار فيما يفعلون.. ربما هنالك بعض البشر ممن يشعرون بالدونية والنقص وهم بحاجة للقيام ببعض الأمور الجامحة بين كل حين ليشعروا ببعض المتع المؤقتة.. ومليون ربما!!.. لكن يبقى الأمر مستهجناً بين عامة الناس ممن يكدحون ويعملون ويجتهدون ويواصلون الليل بالنهار من أجل لقمة العيش الشريفة.. ثم يسمعون بمثل هذا الذي يرمي بعشرات الآلاف دفعة واحدة على راقصة في ملهى ليلي! والله حرام !!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم