أقلام حرة

شواطئ أخرى للفنون!

عبد الله الفيفيتُرى متى ستصل ثقافتنا الغارقة في بحور الآداب والفنون والخيال إلى إنتاج ذهنيَّة عِلميَّة كذهنيَّة (جون كنزز)، مهندس الاتصالات المتقاعد الذي أصيبت امرأته بالسرطان، فسخَّر كلّ خبراته في اختراع علاجٍ لها؛ فصمَّم جهازًا يُطلِق موجات راديو بتردُّدٍ عالٍ جدًّا وأطوال صغيرة جدًّا، بحيث يمكنه رفع حرارة المعادن وصهرها، ومن ثَمَّ اقترحَ كنزز حقنَ ذرّاتٍ من الذهب في الخلايا السرطانيَّة ووضع الجزء المصاب من المريض في النطاق الـمَوجي للجهاز، وبذلك ترتفع درجة حرارة الخلايا السرطانيَّة وتموت، فيما لا يحصل أيّ شيءٍ للخلايا السليمة؟  وذلك كلّه دون إحساسٍ بألمٍ أو إزعاجٍ للمريض.  وقد نجحت تجربته العمليَّة على امرأته، وتمَّ شفاؤها. 

ثُمَّ تساءل المخترع ما دام هذا الجهاز يرفع درجة حرارة المياه كما تفعل موجات المايكروويف، وبما أن التجربة أثبتت أن الجهاز يقوم بفصل الماء إلى أصله الغازي (هيدروجين وأوكسجين)، وعن طريق أيّ شرارة، فإنه يجري انبعاث شُعلة نارٍ من الماء تصل حرارتها إلى 600 فهرنهايت؛ أفلا يمكن للماء أن يُستخدم كوقود؟!  وكان اكتشافًا جديدًا، لم يكن في الحسبان، قد يُغْنِي- بسكون الغين لا فتحها، وبلا تشديد النون!- عن النِّفط ومشتقاته مستقبلًا، ليصبح الماء مصدر الطاقة المستقبلي! 

ثُمَّ بما أن الماء المحترق يبعث بخار ماء، وعند تكثيف هذا البخار يمكن الحصول على ماءٍ نقيٍّ، فذلك يعني أن بإمكان الجهاز المخترَع تحلية المياه أيضًا!  وفوق ذلك كلِّه فقد لاحظ كنزز أنه بتمرير مصابيح الغاز على الجهاز، مثل الفلوريسنت أو النيون أو غيرها، فإن الغاز يضيء دون أيِّ طاقةٍ أو كهرباء، وذلك كشفٌ آخر خطير، سيقلب واقع الطاقة في العالم.  كلّ هذه الأسرار العِلميَّة التي أودعها الله في الطبيعة- والأقرب إلى الخيال- تدلّ كذلك على أن الله قد أودع في الذهن البشري من الطاقات والأسرار ما بإمكانه تفتيق الطبيعة عمَّا لا نهاية له ممَّا ينفع الإنسان.  ولقد نُشرتْ أخبار هذا الرجل منذ نهاية 2007، وتداولت قصَّته شبكات التواصل، وقيل إن العالم قد يتغيَّر بسبب كنزز، وجرى اعتماد جهازه لعلاج السرطان في (أستراليا) في نوفمبر 2008، كما بدأت بعض شركات السيَّارات في بحث إمكانيَّة الاستفادة من ذلك الجهاز لاستخدام الماء كوقود.  وهي أمورٌ إذا تحقّقت ستغيِّر حياة البشر في نواحٍ متعدِّدة.  كما قُدِّم هذا الاختراع، مع اختراعات كثيرة مدهشة، في مؤتمر إقليمي في (سيدني)، عقدته الجمعية العالميَّة للطاقة الشمسيَّة ISES.

فأين نحن هنا من متابعة الأخبار العِلميَّة على الأقل، ناهيك عن إنتاجها؟!  ومتى.. ومتى..؟

قال صاحبي: «إذا نامَ ظالِعُ الكِلاب»!  أو بالعامِّي: «انطر يا حمار...»!  نحن على شواطئ الراحة والتسلية وتضييع الوقت والعقل والمال!  

وإلّا لماذا تظلّ أنديتنا أدبيَّةً إلى الأبد، ولم نسمع بعد عن نوادٍ عِلميَّة، تنمِّي المواهب وترعاها؟

لماذا الجوائز تدور في فَلك الأدب، أو العلوم الإنسانيَّة، ولا توازيها جوائز كبرى في مجالات العلوم الطبيعيَّة؟

إنّ الفنون والآداب مهمَّة جدًّا في حياة الشعوب، لكن تسخير طاقات الأُمَّة في سبيلها، مع تغييب الفنون العِلميَّة، يعني شيئًا واحدًا: بقاء الإنسان مُعاقًا، عالةً على الآخرين، على ما يقتاته من أفيون الأحلام، ليَصدق عليه قول (المنخّل اليشكري):

فـإذا انتَشَيتُ فإنَّـني **  رَبُّ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيْرِ

وإذا صَحَوتُ فإنَّني  **  رَبُّ الشُّوَيهَةِ والبَعيرِ!

 

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيْفي

الأستاذ بجامعة الملك سعود، بالرِّياض

 

 

في المثقف اليوم