أقلام حرة

الإبداع الدامع!!

صادق السامرائيالسائد في إبداعتنا كأنها مكتوبة بمداد الدموع، فما يبدر منا مضرج بالدموع، أشعارنا أغانينا مقالاتنا قصصنا رواياتنا خطاباتنا تحليلاتنا وأفكارنا.

وكأن الدموع تجري في عروقنا!!

فهل نحن مجتمعات تجيد النواح والتظلم والتشكي، وتناهض التحدي والإصرار والعزم والإيمان بصيرورة أفضل، وأعظم ما يمكننا القيام به هو الأنين والتوجع والتهضم ونحسب ذلك إنجازا متميزا ومهما.

وعندما نقارن أحوالنا بالمجتمعات البشرية الأخرى، تبدو الصورة أوضح وأكثر جسامة وتفصيلا، ويظهر الفرق الشاسع والسبق الفائق والماحق.

فترانا من أجود وأخبر المجتمعات في البكاء على الأطلال، ولا تزال تسري فينا روح معلقة إمرؤ القيس التي مطلعها " قِفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ...بسقط اللوى بين الدخول وحومل"، هذه المعلقة التي لخصت جوهر السلوك العربي وخاضت في تفاصيله ومعانيه ومعاييره.

تصلني قصيدة عن بغداد وهي أشبه بالنواح والصراخ وفيها من فيض الدموع ما لا يُطاق، ويريدني مرسلها أن أتمتع بها وأستمع إليها، وكأن الدنيا إنتهت، وبغداد ماتت وإنمحقت، ويتناسى كاتبها ومرسلها، بأن بغداد واجهت أعتى مما واجهته اليوم في مسيرتها الطويلة، وأنها صمدت وعاصرت وتألقت، وما حاق بها ذهب في غياهب البعيد، فما دامت له ذكرى وبقيت بغداد متسامقة متعالية، وستذهب هذه الموجة السوداء وستشرق شمس بغداد رغم أنوف مَن يعاديها.

فهل تريدون الإقتناع بأن بغداد ستغيب، وأن ما أحاق بها سيبقى ولن يغيب؟!!

هذا أفك وهذيان، وما هذه الجموع المعادية لبغداد إلا موجودات طارئة ستدفع ثمن عدوانها باهضا وكبيرا، ولن تدوم سوى بغداد.

لو تأملنا ما أصاب عواصم الدنيا أثناء الحرب العالمية الثانية، لتبين لنا أن نكبة بغداد تهون بالقياس إلى نكبات مدن الدنيا التي إنمحقت عن بكرة أبيها، لكن أبناءها الاشاوس وإرادتهم المقدامة أعادتها إلى أحسن مما كانت عليه.

ولهذا فعلينا أن لا نمعن بإنتاج البكائيات، وأن نتوقف عن الكتابة بالدموع والتفكير بالدموع والتواصل بالدموع ، ولا بد لنا أن نرفع رايات التحدي والقوة والإصرار على أننا سنكون ونكون رغم الأعاصير والزوابع والموجات العدوانية المتتالية، لأننا نتمسك بوجودنا وببلادنا ونؤمن بقدرات الأجيال وقوة ما فيها من الطاقات والإبداعات الحضارية.

فابشري يا بغداد، ولن نبكيك بل نفخر بك ونعلي راياتك ونساهم في صناعة مجدك الوثاب.

وإن بغداد أمة ذات عماد!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

 

في المثقف اليوم