أقلام حرة

طالبوا أنفسكم أولا يا عرب!!

صادق السامرائيالفهم العربي الأعوج للديمقراطية جعلها تبدو وكأنها تظاهرات ونزعات مطلبية بحتة، وجردها من الشعور بالمسؤولية والجد والإجتهاد، والعمل الدؤوب على إستنهاض الواقع الذاتي والموضوعي من قاع الضياع والفقر والجهل، والإندراس في مستنقعات التظلم والتشكي والأنين.

فالديمقراطية مسؤولية كبيرة، والحرية ثقيلة ومتعبة تضع على عاتق أصحابها متطلبات وإلتزامات، تستدعي تظافر جهود وتفاعل عقول وقدرات وطاقات.

فالفهم العربي للديمقراطية أن يقوم الناس بالتظاهر ضد الحكومة التي إنتخبوها ، ويريدونها أن تلبي كذا وكذا من الطلبات، كزيادة الرواتب وتقليل البطالة والبناء والقيام بمشاريع، وما تساءلوا عن كيف يمكن للحكومة أن تقوم بذلك، ومن أين لها المصادر المادية والخبرات المهنية.

لكن السائد أن الناس تريد والحكومة غير قادرة على تنفيذ ما يريدون، وعليها أن تسقط وتأتي أخرى أعجز من سابقتها على تحقيق ما يريده الناس، وتتكرر الحالة والنتيجة واحدة، والعلة ليست في الحكومة وإنما بالناس أنفسهم، لأن من واجبهم تحمل المسؤولية مع الحكومة والتفاعل معها بإيجابية لإيجاد الموارد، والمصادر اللازمة لتحقيق الرفاهية ورفع مستوى العيش وبناء الحياة الحرة الكريمة.

فالديمقراطية مسؤولية مشتركة، أما هذه النزعة الأبوية تجاه الحكومات التي تم إنتخابها من قبل الشعب، فسلوك منحرف ومعادي للديمقراطية، فعندما يحقق الشعب حكم نفسه بمَن يمثله، عليه أن يعمل على إيجاد الحلول لمشكلاته، وأن يكون قوة فاعلة إيجاية في التوصل إلى أجوبة على الأسئلة التي يطرحها والتحديات التي يواجهها، فالحكومات لا تمتلك القدرات السحرية لحل المشاكل، وإنما على الشعب أن يعمل مع الحكومات لحل المشاكل التي تواجههما.

وهكذا فأن الفهم المنحرف للديمقراطية سيتسبب بتداعيات كبيرة ومدمرة للواقع الإجتماعي، وسيضع الأوطان في محن عسيرة ذات خسائر كبيرة، مما سيساهم في هدر الطاقات وتعويق القدرات والتحول إلى حالات متنافرة وموجودات متناحرة، والجميع لا يعرف مَن هو العدو، بينما الحقيقة المغيبة أن الناس أعداء أنفسها، وبسلوكها تجني على نفسها ومجتمعها ووطنها.

فالمطلوب من المجتمع أن يعمل مع ممثليه بإرادة وطنية ومسؤولية لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تستجد في مسيرته الساعية نحو حياة ديمقراطية سعيدة.

فهل يدرك الشعب أن الحكومات لا تزال مثله حديثة العهد بالديمقراطية، وأن العمل على تعميق الفهم والسلوك الديمقراطي يقع على عاتق الجميع.

إنها محنة الديمقراطية في دوامة الأمية الديمقراطية.

فهل من سلوك ديمقراطي مبين؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم