أقلام حرة

أين "الله أعلم"؟!!

صادق السامرائينعيش واقعا عجيبا فيه كل مَن وضع على رأسه عمامة مهما كان لونها توهم بأنه يعلم، وتحدث مع الناس على أنه العارف بأمور الدين وإن عليهم إتباعه والإسترشاد بأقواله وهذياناته.

وهذا إنحراف مروع في الواقع الديني العربي وفي مجتمعات المسلمين كافة، في زمن ما عاد الفرد الواحد بقادر على وعي المعارف القائمة وإدراك حقائق الأمور العامة بسهولة، فهول جريان تيار الإختراعات والإكتشافات وضخ المعلومات المتجددة المتحركة بسرعة تفوق سرعة الضوء والصوت، يجعل الفرد قاصرا على الإحاطة والإستيعاب.

وحتى في زمن البشرية البطيئ الخطوات، فأن الذين تكلموا بالدين كانوا يختمون قولهم ورؤاهم بعبارة "الله أعلم"، للتأكيد على قصور معلوماتهم ومعرفتهم بما ينطقون به ويقولون بشأنه.

وفي زمننا المعاصر إشتد القصور المعرفي الفردي وتعاظم، وعجز العقل البشري على المواكبة والتوافق مع الفيض المعلوماتي التدفق من كل حدب وصوب.

وهذا يستدعي إجتماع عقول وتفاعلها وتواصلها للإجابة على أية مسألة من المسائل المطروحة والمستوعبة لرأي أو توضيح .

فعلى سبيل المثال ليس الحاصل على شهادة الدكتوراه في الكيمياء يعني بأنه يعرف كل شيئ عن الكيمياء، وكذلك الحاصل على الدكتوراه في الفيزياء، ذلك أن بلوغ درجة العلم ما عادت فردية وإنما جماعية ومؤتمراتية وتفاعلية مع قدرات وخبرات متنوعة تحاول الوصول إلى جواب أصوب، ومع ذلك فأنها تبقى أقصر وعليها أن تقر بعبارة " الله أعلم"، أما أن يأتينا شخص لوحده ويدّعي العلم وعنده منتهى المعارف فهذا هذيان ووهم شديد.

ذات شهر وجدتني في مكتبة قد جمعت تراث المسلمين وما كتبوه في الدين، وكنت أقرأ فيها كل يوم لمدة عشرة ساعات، وبعد شهر وجدتني أشعر وكأنني قد أخذت جزيئة صغيرة جدا مما فيها من العلوم والمعارف، فأدركت إستحالة أن يلم العقل البشري الفردي بما تحتويه لو أمضى عمره كله فيها، لأنه إنتاج متراكم لأجيال عديدة، وهذا يعني أن الإلمام به يحتاج إلى جمهرة عقول كل مجموعة منها تتخصص بناحية ما منها وتتفاعل وتتواصل لكي تصل إلى رؤية ذات قيمة معاصرة.

فالقائلون بالمعلومية والمعرفية، كالغاطس في الماء ويحسب أنه يعرف ما في عبابه، وما هو إلا يختنق ببعض الماء الذي غمره!!

تلك حقيقة واقع علينا أن ندركه ونتفاعل معه بعقل منفتح متوافق مع مكانه وزمانه.

فهل سنتعلم لنكون أم نتوهم العلم فنهون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم