أقلام حرة

عندما يموت الطبيب النفسي!!

صادق السامرائيعندما يموت الطبيب النفسي، أتساءل لماذا؟!

خصوصا حينما يكون الموت مفاجئا.

كان لي زميل من بلادي، سمعت بخبر وفاته المفاجئ قبل أعوام، بعد أن توقف بريده الإليكتروني بغتة، وكان من المدخنين، وقد دخل المستشفى عدة مرات لإضطراب دقات قلبه.

وحينما كنت مقيما، توفى أحد أساتذتنا فجأة، وكان السبب سكتة قلبية، وأثناء إمتحان البورد، سمعنا بخبر وفاة أحد الأساتذة الممتحنين، وكان أيضا موتا مفاجئا .

وأخيرا تواصلت أخبار وفاة عدد من الزملاء، وآخرهم زميل لي كنت قد إلتقيته قبل أعوام بعد فراق طويل، وقرأت في حينها على وجهه ملامح عدم إرتياح، وتناقشنا في موضوعات ذات علاقة بالحياة.

وعندما نبحث في أسباب موت الطبيب النفسي، يمكننا تلخيصها بالآتي:

أولا: الإنتحار

الطبيب النفسي ربما يكون معرضا للإنتحار أكثر من غيره من الأطباء، وقد إنتحر عدد من الزملاء في بلدنا وفي مواطن الغربة . وآخرها إحدى الزميلات وقد وُجدت ميتة في فراشها، بعد أن قررت الإنتحار.

 وللإنتحار أسباب متعددة، وخصوصا الكآبة.

ثانيا:أمراض القلب

الطبيب النفسي يكون عرضة للإصابة بأمراض القلب، وذلك لقلة النوم، ولتفاعله مع حالات إنفعالية ونفسية صعبة، والتي ربما يكون لها تأثير على قلبه، كما أن قلة الحركة وعدم الإهتمام  بالرياضة والطعام الصحي، يساهم في الإضرار بقلبه.

ثالثا: الخمر والتدخين

كنت أريد اللقاء بأحد الزملاء قبل بضعة أعوام في إحدى الدول العربية، فأخبروني بأنه يتعاطى الخمر كثيرا، وأنه في حالة صعبة، ويعاني من الإدمان، وقد عاجلته المنية بعد شهور.

فعندما يقترن الخمر مع التدخين، فالموت يكون أسرع، وفقا لتنامي الأسباب المؤدية لذلك.

رابعا: حوادث الطرق

الطبيب النفسي يموت بحوادث الطرق، وقد قضى أحد الزملاء  نحبه في حادث سيارة . ويكون الموت أسرع، خصوصا عندما تكون السياقة في طرقات مزدحمة، وبعد الخفارة المتعبة، ويعزى ذلك إلى الإنهاك وطول السهر.

وكاد أن يحصل ذلك لي ذات يوم، بعد خفارة مرهقة لستة عشر ساعة في ردهة الطوارئ النفسية، فوجدتني قد أخذتني غفوة خلف مقود سيارتي، وأنجاني الله بقدرته من حادث مروع محقق، فقررت حينها الإنقطاع الفوري عن هذه الخفارات، وتعذرت بما أستطيعه من أسباب.

خامسا: القتل بواسطة المريض

الطبيب النفسي معرض للقتل بواسطة مريضه أكثر من غيره، وهناك العديد من الحوادث المدونة في دوريات الطب النفسي. وقبل عامين قتلت مريضة طبيبها ومن ثم نفسها.

وقد عاينت مريضا قتل طبيبه البارع والمعروف في علاج مرض الفصام.

سادسا: الإغتيالات

الطبيب النفسي – العربي خصوصا- معرض للإغتيال من قبل جهات مجهولة، لأن الثقافة النفسية لا يسمح لها  أن تتحقق في مجتمعات، يُراد لها أن تُستعبد وتتبع وتنمحق، من أجل أمن وسعادة مجتمعات أخرى متمكنة منها.

فالمجتمع العربي عبارة طاقة يُعاد تصنيعها لإسعاد حالات أخرى.

وهناك عدد من الأطباء الذين تم إغتيالهم، أو تغيبهم في غياهب المعتقلات والسجون.

سابعا: الإهمال الصحي

الأطباء عموما يهملون واقعهم الصحي، ويتصورون بأنهم لا يمرضون، أو ينكرون أمراضهم فيعضلونها ويمعنون بتحمل مضاعفاتها حتى تقعدهم وتقضي عليهم.

وهذا سلوك عجيب يشترك فيه معظم الأطباء الذين يباغتونك بنبأ خبيث، كما فعلها زميل وصديق لي قبل أشهر، فاصابني بذهول!!

قد يقول قائل أن الموت أمر لا بد منه، وهذا صحيح، لكن العلم الحديث قد توصل إلى إكتشافات وإختراعات ومبتكرات علاجية ووقائية من العديد من الأمراض، مما يساهم في التمتع بحياة ذات قيمة وتأثير وبهجة، وقدرة على المحافظة على الكثير من مهارات الشباب، فبدلا من السقوط  مبكرا في براثن الأمراض والأوجاع،  يتوجب المحافظة على أمانة الأبدان وصيانتها قدر الإمكان.

وتلك بعض العوامل المؤدية لوفاة الطبيب النفسي، في المجتمع الإنساني والعربي، وربما يمكن الإتيان بأسباب أخرى.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم