أقلام حرة

الأمة والعقل العاطل!!

صادق السامرائيالأمة التي تتعطل فيها العقول لا يمكنها أن تدّعي الإنتماء للحياة والمعاصرة، والقدرة على التحدي والمواجهة والتقدم والرقاء، لأن  ذلك يتطلب عقولا فاعلة متفاعلة مبدعة منفتحة ومتجددة.

والأمة مشكلتها الأساسية تكمن في تعطيل العقل، وذلك لأنها قد مضت على سكة الطاعة العمياء والتبعية الحمقاء، فلا عقل ولا رأي ولا تفكير، لأنها إرادة فلان، ووفقا لرؤاه وما ينطق به تتحدد الخيارات والسلوكيات.

ولا علاقة لهذا السلوك بالعلم والتعلم، لأن المشكلة عميقة ومروعة، فقد تجد ذوي الشهادات التخصصية العليا في مختلف العلوم والمعارف، لكنهم لا يُعمِلون عقولهم وتتوطنهم التبعية والإذعانية للآخر.

والعجيب في أمر أبناء الأمة، أنها كقوة وطاقة لا تساوي أعدادها الكبيرة، وإنما يتم إختصار وجودها ببضعة أشخاص تمكنوا من الملايين ومئات الآلاف، وقادوهم كما يشاؤون إلى حيث يريدون، فهم الذين يفعلون فعلهم فيهم وكأنهم القطيع المذعن الخانع المستسلم، الذي لا يعرف أنّ في رأسه دماغ وأنه يمتلك عقلا يوجب عليه التفكير الحر والتقرير الناضج السليم.

وهذه ظاهرة إستعبادية إمتهانية تعصف في كيان الأمة على مر العصور والأجيال، ولا يستطيع جيل الفكاك منها والتحرر من قبضتها، ذلك أن المالكين لإرادة الناس يحشدونهم عاطفيا وإنفعاليا ويمنعونهم من التفكير، بل ويعوقون عقولهم ويبرمجونهم وفقا لمتطلبات ما فيهم من النوازع والتطلعات.

وتلك عاهة حضارية مروعة، لا يمكن لأية أمة أن تحقق شيئا بوجودها، وهي تفسر لماذا الأمة متعثرة رغم توفر الآلاف من أبنائها الذين يحملون الشهادات العليا والتخصصات الكبرى، فهم حالما يحلون ببلدانهم تنتفي عقولهم وتنمحق إرادتهم وينتظرون الأمر والإشارة، ولا يمكنهم رؤية إلا ما يرى سيدهم الذي إمتلكهم وقبض على مصيرهم.

وبتعطيل العقول تتعطل الأمة وتتحول إلى عالة تستجدي على قارعة الطريق، وينسى أبناؤها القيم الإنسانية، ويجهلون دينهم ولغتهم، ويغيب الرأي المستقل، ولا يمكنهم القراءة بروحية النقد والشك والإستنتاج، لأن التبعية دينهم ومذهبهم، وأنهم روبوتات تتحرك وفقا لمشيئة الذي تتوجب طاعته والتضحية من أجله، وهو دجال مخادع  متاجر بدين، ولا يجرؤ الواحد منهم أن يستفسر عمّا بحوزته من المال والأملاك، ولماذا هو في نعيم وثراء؟!!

وإنها لمصيبة أمة بدين!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم