أقلام حرة

القوة النفسية والعقلية!!

صادق السامرائيالبشر تتنازع فيه قوتا النفس والعقل، ولكل منهما سيادته في ميادينه التي يتمكن فيها ويهيمن، ويمكنهما أن ينفصلا ويستكينا في مواضعهما، وقد يتشابكا ويتصارعا ويمتلك بعضهما البعض فيستعبده ويذله.

فهناك بشر النفس تذل عقله وآخر يحصل فيه العكس، وآخر تتوازن فيه القوتان، ويمكن أن تكون العلاقة بأشكال وديناميكيات لا تحصى ولا تُعد.

وكلما إنشغل العقل بما يرضيه ويجذبه ويطلقه، كلما إزداد تحررا من قوة النفس، والعكس صحيح أيضا.

ومن الواضح أن المعتقدات والإنتماءات تستند على آليات نفسية وتترسخ وتتوطن وتتعمق فيكون العقل   في منأى عنها ولهذا لا يمكن المحاججة العقلية في أي معتقد، لأنه إرتباط نفسي مشحون بالعواطف والإنفعالات الشديدة، ولهذا تجد ذوي المعتقدات يؤهلون أصحابهم للتأجج العاطفي الإنفعالي الذي لا يسمح لقوة العقل أن تتحرك.

فالقول بأن الإنتماءات العقائدية بأنواعها عقلية إنما نوع من البهتان والتضليل، وعليه فلا تناقش صاحب أي معتقد بما يؤمن به، لأنه قد تمترس نفسيا في بودقة معتقده وتخندق في ترس سميك فولاذي المواصفات.

وبعض المجتمعات تهيمن فيها القوة النفسية على القوة العقلية، لأن العقل غير مسخر لما خلق له، وهو التفكير والتدبير والإبتكار والتقدير والمعرفة والتطوير، فالناس تعيش في فراغ ولا تجد أمامها مشاريع وتحديات تقنية وعلمية وإبتكارية تحث على إعمال العقل، كما أن التعليم فيها جوهره تعطيل العقل وإلغاؤه، وتسويغ التبعية والإذعانية والقبول دون سؤال أو نقد وتمحيص، فالإنسان موجود تابع وقابع ومرهون بإرادة غيره ولا يمكنه أن يكون بعقل فاعل ومنير.

وفي هذه المجتمعات لا ينشغل العقل بالعلم، وإنما يكون عبدا مطيعا للقوة النفسية الفاعلة في المجتمع والقائدة لسلوكه على مختلف المستويات والتوجهات.

بينما في المجتمعات المتقدمة تكون القوة العقلية متصدرة وفاعلة في الواقع السلوكي، فتجد الناس منهمكة بإعمال عقولها وإطلاق ما فيها من الطاقات والقدرات وهي تتسابق نحو الأقوى والأقدر من المبتكرات والإبداعات والإختراعات اللازمة لتطوير الحياة.

فتجدهم في تنافس وثاب وتزاحم نحو أهداف لا محدودة وميادين ذات آفاق مطلقة تزيد الحياة جمالا وبهاءً وقابلية على النماء والرقاء، فتنكمش القوة النفسية أو تنفصل عن القوة العقلية وتبقى في مكامنها محكومة بما يتوجب عليها أن تقوم به وتؤكده في البشر الملتزم بإرادة عقله، والمنشغل بمعطياته المعززة لقيمته ودوره الإنساني المنير.

ولهذا فلكي نبعد النفس، أو نقلل من دورها في تفاعلاتنا علينا أن نشحذ عقولنا بما يشغلها عن التوحل بما لا ينفع الناس، وبهذا تكون المجتمعات المقتدرة العطاء.

فأطلقوا قوتكم العقلية وأخمدوا قوة النفس السلبية!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم