أقلام حرة

طبائع المدن ومصير الأوطان!!

صادق السامرائيالمدينة تتسم بطبائع ورؤى أهلها، وكل مدينة تمثل صيرورة مادية لطاقات وتوجهات سكانها أجمعين.

والمدينة كائن حي تتحرك في عروقه الحياة، فتتألق وتتداعى وتتفاعل، لكن المدينة بخصائصها ودلالاتها، تستمر وتبقى تنبض على إيقاع الدوران الأرضي.

وفي الزمن الماضي كانت المدن ذات أسوار، وأنظمة خاصة بها، وتتحرك مسيرة الأيام فيها، وفقا لقراراتها وخرائط السلوك المتفق ومصلحة المدينة وأهلها.

وفي بلادنا مدن كثيرة ذات شأن حضاري وروحي وفكري، ومنها إنطلقت بدايات المعارف والعلوم والتصورات، والتحليلات والمدارس بمذاهبها ومشاربها.

وكانت بغداد مدينة ذات أثر كبير في مسيرة الحضارة الإنسانية، ومن ثم سامراء، وقبلهما مدن غابرة مسافرة في غياهب الحضارات السحيقة في القدم، ما قبل سومر بملايين أو آلاف السنين.

وقد أشرقت المدن في العراق بعد الفتح الإسلامي المبين، فكانت البصرة والكوفة، وبعدها النجف وكربلاء بما إمتلكتا من التراث الروحي والمعرفي، والمعاني السامية لرموز الإسلام، وما حصلت فيهما من أحداث وتفاعلات وتداعيات. إضافة إلى مدن أخرى عريقة في شمال البلاد.

والأوطان بمدنها، فكلما إزدهرت المدن وتطورت، إنعكس ذلك على الوطن الذي يضمها ويتفاخر بها.

وأوطان الدنيا تتألق وتعاصر بمدنها، التي تنامت وامتلكت قدرات التأثير الإقتصادي والثقافي والأخلاقي،

وزيارة أي بلد، تكشف للزائر أنه عبارة عن مدن ذات طاقات فاعلة في الحياة، ومتسابقة بخصائصها وعناوين إرادتها المؤثرة في الحياة الوطنية.

فهذه المدينة لها دور كبير في الصناعة الفلانية، وتلك لها مساهمة في زراعة البرتقال والعنب والتفاح، وتلك مهتمة بصناعة الأدوية، وأخرى بالسيارات، وهذه بطرز عمرانها وتأريخها الطويل وهكذا...

ونحن ربما يغيب عن وعينا المعاصر الدور الوطني للمدن، فلا تجد مدننا تفخر بمميزاتها، وتُظهِر ما فيها من طاقات العطاء والبناء الإبتكار، وإنما تمحق الدلائل والعلامات الفارقة، وتذوب في صياغات بعيدة عن العصر، وتتحول الحركة فيها إلى سعي خاسر وراء موضوعات، لا تؤمّن من خوف ولا تطعم من جوع.

فتتقدم السياسة والسعي إلى المناصب وإحتكار الإمتيازات، على إرادة المدينة الحضارية والإبتكارية.

وأية مدينة تجدها بلا خريطة إنطلاق، ودون أهداف واضحة ومعالم متعارف عليها، وعندما تسأل ماذا يريد أهلها، وإلى أين يتجهون لا تجد جوابا وإنما لغطا!!

إنّ الأوطان لكي تتقدم وتعاصر، على مدنها أن تتخلق وتتحقق وتكون، وإنْ لم تساهمْ المدن في صناعة وجودها الوطني والحضاري المعاصر، فأن الأوطان لن تكون.

فالمشكلة ليست في أنظمة الحكم وحسب، وإنما في أنظمة التفكير وآليات الفهم والرؤية، والإدراك والتصور والإنطلاق.

فهل ستحقق مدننا إرادتها وتتسابق في البناء الإقتصادي والثقافي والإبداع الصناعي، وتشد عزمها وتعزز مسيرة الإرتقاء والنماء والإزدهار، لكي يكون الوطن أقوى وأبهى وأزهى، وينعم بالمحبة والأمن والسلام؟!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم