أقلام حرة

بين الملك والزعيم

عامرة البلداويأشتد الحوار في اليومين الماضيين مابين مادح لمسيرة حكم عبد الكريم قاسم ومنتقد للحكم الملكي الذي سقط على يد الزعيم في عام 1958، وكان ذلك لمناسبة 8 شباط التي اسقط فيها حكم الزعيم بأنقلاب قتل على أثره رميا بالرصاص في مبنى وزارة الدفاع في مشهد يعاد سنويا من أرشيف التلفزيون العراقي وذاكرة المحبين او المناوئين لتطوى صفحة خمس سنوات من حكمه اختلف عليها العراقيون بين من يعتبرها العصر الذهبي بالأنجازات وبين من يعدها سنوات عدم الأستقرار والمحاكمات والتدخلات والأضطرابات . الغريب ان هذا الحوار الذي يتصاعد ليصبح جدلا يعاد سنويا دون التفكير بأن النسبة العظمى من سكان العراق حاليا لم يعيشوا تلك الفترة ولايعرفون حكم الملوك او حكم الزعيم، وعلى الجيل الذي عاش تلك الفترة او يتذكر شيء منها او المهتمين بتلك الحقبة ان يستعرضوا بعض الأمور المفيدة من تلك التجارب القاسية في التاريخ الحديث للدولة العراقية، وان يتخذوا من هذا الموضوع فرصة لحوار بين الأجيال ينتج أتفاقا حول اسس الحكم وتداول السلطة،الأنتقال من الخبرة والتجربة بكل محاسنها او مرارتها الى نظرة مستقبلية تحلل الواقع وتخطط للقادم .

تمنيت لو ان المتحاورين بحرارة شديدة جعلوا من هذه المناسبة فرصة للتعريف بالفرق بين نظامي الحكم قبل وبعد حكم الزعيم وثورة عام 58، فالملكية هي نظام حكم يكون الملك فيه على رأس الدولة وتتميز بأن الحكم غالباً ما يكون لفترة طويلة وينتقل بالوراثة إلى ولي عهده. والملكية أما مطلقة يكون فيها الملك هو صاحب جميع السلطات في الدولة هو يصدر القوانين ويفسرها ويقوم بتنفيذها وللملكية المطلقة أمثلة في التاريخ ومن أشهرها الملكية الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر الذي أعلن (الدولة هي أنا) . أو ملكية مقيدة وهي التي يقودها الدستور وهي تطور للملكية المطلقة فقد يضطر الملك المطلق أن يتنازل للشعب عن كثير من الحقوق الدستورية أو يتنازل عنها اختيارًا وهذا شبيه لحكم الملكيات العربية (الأردن والمغرب والسعودية وغيرها)

أما مايعرف بالملكية الدستورية والتي تعرف بنظام ملكي برلماني فهو شكل من أشكال الملكية السيادية التي تمارس سلطاتها وفقا للدستور، بمعنى ان الملك لابد أن يمارس صلاحياته وسلطاته ضمن الحدود المنصوص عليها ضمن الإطار القانوني المنصوص لها. وتتراوح الملكيات الدستورية من دول مثل المغرب، حيث يمنح الدستور صلاحيات تقديرية كبيرة للملك، الى دول مثل اليابان أو السويد أو الدنمارك حيث يحتفظ العاهل بعدد قليل جدًا أو معدوم من السلطات الرسمية. وعليه فأن الملكية تتسم بتوريث الحكم وبخلق طبقية واضحة في المجتمع ولكن في كل الأحوال هناك حياة سياسية ديمقراطية بوجود البرلمانات المنتخبة

أما الحكم الجمهوري الذي جاء في العراق بعد ثورة عام 58 التي قادها عبد الكريم قاسم، فهو نظام حكم يتم اختيار الحاكم فيه (ويسمى عادة رئيس الجمهورية) من قبل الشعب بشكل مباشر كما هو الحال في فرنسا والولايات المتحدة وتركيا، أو من قبل البرلمان المنتخب من الشعب كما هو الحال في العراق

في النظامين الملكي الذي سقط ولم يعد في العراق والجمهوري المتعثر منذ اول جمهورية الى يومنا هذا، في كلا النظامين لم تذكر المصادر بأنواعها ان هناك اي ارتباط مابين نظام الحكم (ملكيا او جمهوريا) بتقديم الخدمات ورفاهية المجتمع وتطور البلد وازدهاره وهذا مايهم الشعب، كما لم يذكر اي ارتباط بين اي من نظامي الحكم وخدش السيادة او اضعافها

ومن هنا فلا اجد اي مبرر للنقاشات الحادة التي حصلت قبل أيام فالعراق لم يهدأ او يعيش الأستقرار حتى في زمن الملوك، ولايمكن المقارنة مع اغفال السياقات ففي الأربعينيات والخمسينيات كانت نسبة السكان في العراق (أربعة ملايين و۸١٦ ألف و١۸٥نسمة) في تعداد 1947 و( ستة ملايين و٥٣٦ ألف و١٠۹ نسمة ) في تعداد 1957، دولة فتية متعددة الموارد قليلة السكان من السهل انشاء الخطط وتنفيذها ومع ذلك فأنها لم تنفذ وأتهم الزعيم بأنه نفذ ماخططه الملوك

في الختام ماهو الدرس الذي علينا استخلاصه من تجارب الحكم السابقة، ولماذا مازلنا نتخبط بين الرئاسي والبرلماني وبين المركزي والفدرالي وبين سلطة المركز وسلطات الأقليم والحكومات المحلية، لنسأل سؤالا بصوت عال ماذا نريد ؟

 

عامرة البلداوي

 

في المثقف اليوم