أقلام حرة
تلازم العروبة والإسلام وخطره المعرفي
نشأنا وتغذينا معرفياً وتربويا وتعليمياً أن العروبة والإسلام متلازمان، مما يعني أن استهداف أحدهما هو استهداف للآخر، وانتقاد أحدهما، بل حتى الطعن بأحدهما هو طعن بالآخر! ولكن أكثر وضوحاً تعلمنا وتربينا أن المساس بالعروبة هو مساس بالإسلام بوصفه ديناً عربياً! ولعل هذا التلازم شكل خطراً حقيقيا على البنية المعرفية للمجتمع العربي، أكثر من خطورة الآخر (الخارجي) واستعماله لهذا التلازم في استفزازنا، واستعدائنا، إذ مرة يطعن بالدين استنادا إلى تصرفات العرب، وأخرى يطعن بالعرب استناداً إلى أدبيات الدين الموروثة التي كانت تحاكي مجتمعاً لم يكن فيه للتقنيات المعاصرة وجود!!
لعله حان الوقت للتخلص من ذلك التلازم (الخدعة) الذي روّجت له ثقافة الانقلاب العربي على الدين في سقيفة بني ساعدة بعد رحيل النبي الأكرم(ص)، ولعل في هذا الطرح جرأة يراها المنغمسون في هذه الخدعة محاولة لتوهين النسيج المجتمعي العربي أو خلخلته، وكأن النسيج العربي بُني بناءً إلهياً؟؟!!
يشهد الواقع العربي اليوم على أن هذا النسيج الاجتماعي الذي حاكه ذلك التلازم الموهوم لا وجود له إلا في خيالات أولئك المستفيدين وأذيالهم من جر الوعي العربي المعاصر إلى ماضٍ لو اطلع الشباب العربي على حقائق ما حصل فيه لتمنوا نزع جلودهم والانسلاخ من تلك العروبة (الأعرابية) المشؤومة التي جرّت على المجتمع العربي نفسه كل الويلات.
استغربت كثيرا وأنا أسمع أحد الشعراء يتغنى بمقولة معاوية بن ابي سفيان (نحن الزمان، من وضعناه اتضع، ومن رفعناه ارتفع)، ويغفل عن أن دلالات تلك المقولة الأنانية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي خلاف الأسس الإنسانية التي جاء بها الإسلام ووضع لها حجر الأساس النبي الأكرم(ص): (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، والتقوى ميزان إلهي، وليس ميزانا عروبياً، فالدين ابتدأ عربيا بمحمد(ص)، ولكنه ليس ملكاً للعرب، إنما هو ملك للإنسانية كلها، ومن استطاع أن يحمل مشعله ويعلي شأنه ويعرّف الناس به هو المسلم الحق بغض النظر عن هويته العرقية أو القومية، وليس اعتباطاً أن يكون من صحابة النبي(ص) المقربين والمشهود لهم بالدين هم من أمم أخرى، وليسوا من العرب، ولقد اجتهد النبي(ص) في محو هذا الوهم المعرفي التربوي الذي بدأت بذرته تنشط في أوساط العرب في زمن النبي(ص) من أن الإسلام يعلي من شأن العرب كيفما كانوا، ويحط من شأن الأمم الأخرى كيفما كانوا!!!
لقد كان رجال مثل سلمان (الفارسي)، وصهيب (الرومي)، وبلال (الحبشي)، وآخرون ربما لم يحفل بذكرهم التاريخ هم الدلالة الواضحة على إنسانية الدين وعالميته، ووسعه المعرفي الذي لا ينظر إلى لون أو إلى لسان، بل صريح ما ورد فيه قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات/13)، ولم تقل الآية إن أكرمكم عند الله العرب، والتقوى لباس يسع البشرية كلها من أي لون أو جنس أو لسان، ولم يفصّل على مقاس العرب لينعقد هذا التلازم الذي كنا ومازلنا ندفع ثمنه غالياً، بل دفع الدين الإسلامي الإنساني فاتورته باهضة من رجاله المخلصين الذين اصطفاهم الله سبحانه ليكونوا صوته في الناس يبلغونهم القيم الإنسانية التي ترتفع بهم إلى مستوى إنسانيتهم التي أرادها لهم خالقهم كرماً منه وجودا.
زكي السراجي