أقلام حرة

تمخض مؤتمر وارسو فولد فأراً بلا كرامة

بكر السباتينقيل في الأمثال بأن الأسدَ يتمخّض ويملأ الدنيا زئيراً؛ فيولد فأراً ممعوط الشعر والكرامة ويمزق صوته الحاد رتابة التفكير والمنطق.. وهذا هو حال مؤتمر وارسو الذي شغل العالم دون أن ينتج ما يشد به أزر أصحابه سوى ثرثرة جوفاء وعربدة على الجرح الفلسطيني.. وإلا فماذا يعني أن تتحول المؤتمرات الدولية أو الإقليمية إلى تظاهرات للعلاقات العامة سوى أن فاعلية الأطراف المشاركة فيها باتت متأزمة وتبحث عن مخارج إعلامية لمشاريعها السياسية المتعثرة بغية الظفر بمردود معنوي سريع.. أي نجدة طارئة لأن الانفتاح على معارك حقيقية على الأرض سيجلب لهم الويلات فانحصرت خياراتهم على معارك دنكوشوتية إعلامية.. كما هو حال مؤتمر وارسو الهزيل الذي شاركت فيه أكثر من ستين دولةً منها إحدى عشر دولة عربيّة وإسلاميّة، فيما شهد مشاركة أوربية خجولة دون المأمول وصفت من قبل الإعلام الإسرائيلي بأنها صادمة. وقد ركّز المؤتمر أعماله على التهديد الإيرانيّ وبالتالي ترسيخ فكرة العدو الإيراني البديل مقابل التحالف مع "إسرائيل" خلافاً لمنطق التاريخ وتعارضاً مع حقوق الفلسطينيين.. وقد عمدت "إسرائيل" على تسويق ذلك وترويجه دون التورط مع المقاومة شمالاً وجنوباً في معارك خاسرة يندى لها جبين الذئب المتربص بالحملان.. إذن فلتكن مواجهات وهمية كحال وارسو 2019.

إنه المؤتمر الذي عقد في إطار مفهوم العلاقات العامة سعياً إلى نجدة الدور المحوري الإسرائيلي لصفقة القرن الموءودة في مهدها.. والرامية إلى غلق ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد من خلال التطبيع العربي الشامل مع الكيان الإسرائيلي المهزوز وجودياً.. من هنا يستطيع القاصي والداني إدراك اللعبة المكشوفة لعقد مؤتمر مثل وارسو الفاشل الأجوف الذي تم الإعداد له باستعجال وحشدت لأجله مشاركات عربية مريبة ساهم فيها المتصهينون العرب وعلى رأسهم سلطة عباس.

اللعبة باتت مكشوفة، وتقوم على عدة أهداف مترابطة عضوياً في إطار الاستراتيجية الصهيونية المستقبلية، وهي كما يلي:

أولاً: محاصرة إيران من خلال تفعيل صفقة القرن واستهداف محور المقاومة بما في ذلك حماس وحلفائها في غزة. على نحو ما أكده كبير المحللين السياسيين في التلفزيون الإسرائيلي، أمنون أبراموفيتش، في أنّ رئيس الوزراء نتنياهو نجح في حشد الدول العربيّة المعتدلة، التي باتت تتبنّى الموقف الإسرائيلي الرسمي من التهديد الإيراني، لافِتًا في الوقت ذاته إلى أنّ مؤتمر وارسو هو بمثابة أكبر هدية وأثمنها يقوم الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب من خلالها بدعم حملة نتنياهو الانتخابية.

ثانياً: دعم (الإرهابي) نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القادمة وتزويده بورقة رابحة تتجلى بالتطبيع العربي الإسرائيلي المجاني بدلالة التوقيت المتوافق مع تحركات نتنياهو في ملف الانتخابات الإسرائيلية الداخلية وما صرح به للإسرائيليين حول ادعائه بنجاح المؤتمر نكاية بالمشككين. وبالطبع يأتي هذا الدعم لكون نتنياهو هو عرّاب صفقة القرن والضامن لأمن الخليج العربي والحليف الإستراتيجي، وفق نتنياهو، للسنة العرب ضد محور المقاومة الذي كسر هيبته ميدانياً.

فقد احتفى الإعلام الإسرائيلي بما أطلق عليه "الإنجاز التاريخيّ"، الذي حققه نتنياهو في مؤتمر وارسو، وفي نظر ذلك الإعلام المتخبط بأنه حقق ضربة قاصمة ضد منافسه في انتخابات التاسع من أبريل القادم، الجنرال في الاحتياط بيني غانتس، لاقتناعه التام بأن مؤتمر وارسو حقق له ما سيتفاخر به أمام الإسرائيليين في معركته الانتخابيّة الجارية.

ثالثاً: الرد الإعلامي على التيارات السياسية في "إسرائيل" المحرجة لموقف نتنياهو الانتخابي، والتي تتهمه بالوقوف عاجزاً أمام محاصرة تأثير خطابات حسن نصر الله على معنويات الإسرائيليين المنهارة فيما يتعلق بالمواجه العسكرية المحتملة مع حزب الله في الشمال حيث عَنْوَنَها نتنياهو بمواجهة الخطر الإيراني من خلال القضاء على حزب الله الذي يمتلك ما يكفيه من أسلحة الردع والمواجهة وهو ما حول الجموح الإسرائيلي إلى مجرد عواء يدب في البراري دون تأثير على الأرض؛ لذلك فإن مؤتمر وارسو سينسجم مع التطلعات الخليجية الاستراتيجية بهذا الشأن في إطار الأمن الخليجي الإسرائيلي المشترك لمواجهة "الخطر الإيراني" المباشر.

ثالثاً: حلب المواقف العربية المجانية لصالح التطبيع مع "إسرائيل"

حيث أشاد هذا الإعلام الإسرائيلي بموقف الدول العربيّة المساند ل "إسرائيل"، وعليه فقد شدد موقع (تايمز أوف إزرائيل) على أن "إسرائيل" تربطها علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ فقط مع دولتين عربيتين جارتين، هما مصر والأردن. لكن القادة العرب في الخليج، وبشكل خاصٍّ، وليّ العهد السعودي بن سلمان، جعلوا الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ في أسفل سلّم الأولويات، حيث نقل الموقع عن وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، قوله بأن" بلادي ستقوم في نهاية المطاف بإنشاء علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع الدولة اليهوديّة".

وأخيراً فإن هذا المؤتمر كالأسد الذي تمخض فولد فأراً، فهو عبارة عن تظاهرة إعلامية يشارك فيها وزراء خارجية عرب مورست على دولهم ضغوطات أمريكية ممن انضوت تحت مظلة صفقة القرن من خلال مصالح استراتيجية عربية إسرائيلية مشتركة، دول مسلوبة الإرادة بحيث تجيش اليوم ضد إيران ومحور المقاومة وغداً ربما تحتشد ضد محور تركيا وقطر وحماس "الأخوانية".

إنه مجرد مؤتمر وصفه حسن نصر الله مؤخراً (رأي اليوم) بالهزيل ورد عليه الفلسطينيون هازئين من خلال الاستمرار في فعاليات مسيرات العودة في غزة.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم