أقلام حرة

التشخصن الإنفعالي!!

صادق السامرائيالتشخصن داء يعصف بالأقلام في بعض المجتمعات ويتسبب لها بفقدان البصيرة، والتفاعل مع المواقف والأحداث بإنفعالية خالصة تستعبد العقل، وتستولده ما يبرر مشاعرها وتصوراتها المسبقة وأحكامها الراسخة فيها، وفقا لمنظار رؤيته المصنعة بمفردات التشخصن الإنفعالي.

ولكي تتشخصن إنفعاليا، عليك أن تتماهى وتذوب في حالة ما، قد تكون فردية، فئوية، حزبية أو طائفية، وغيرها من التأسنات التموضعية الهادفة لتسخير البشر لما تمليه عليهم بعد أن تمكنت من عقولهم ونفوسهم وأرواحهم، وأوجبت عليهم التنفيذ وحسب.

وهذا الإضطراب يُصاب به الأفراد والجماعات ويمارسون دورهم في التعبير عمّا يحتويه ويقرره، ويأتمرون بنوازعه ودوافعه، ويسخرون طاقاتهم وجهودهم لخدمة وتعزيز وإدامة التشخصن والتمترس في أوعيته، والتدحرج في مسالكه النفقية الظلماء، وتجعل الظلاميين يستلطفون غياب النور لأنه يفقدهم توازنهم ويؤلم أبصارهم، كالذي يكون مسجونا في أقبية بلا نوافذ وتخرجه لمواجهة الشمس الساطعة، فيكون في حالة تصعب عليه الرؤية ويحتاج لوقت لكي تتأقلم عيناه مع النور.

أي أن التشخصن الإنفعالي يحقق حالة العماء المطلق، ويجعل المصابين به، يصفون الفيل وفقا لما يلمسونه بأيديهم من بدنه لا غير، ويتوهمون بأنهم يتحدثون عن الفيل.

وهذا السلوك واضح في العديد من الكتابات في الصحف والمواقع والخطابات، وتجده سائدا ومؤثرا في الناس، وقادرا على تنمية الجموع المتشخصنة المتخندقة في صناديق إنفعالية شديدة الفعالية وقوية التماسك والصد.

ولهذا فأن ما تنتجه أقلام التشخصن الإنفعالي يساهم في تدمير المجتمع، وأخذه بعيدا عن أنوار العصر وطمره بالغابرات وتحبيبه بالخاليات، وتشجيعه على البكاء والأنين والتظلم وإستلطاف المقاساة والأوجاع والإرتهان بالويلات والتداعيات، لأنها في عرف التشخصن الإنفعالي أغنم وأعظم من أي سلوك آخر يساهم ببناء الحياة وإيقاد مشاعل الحاضر والمستقبل.

وفي هذا محنة مجتمعية إنسانية تدفع إلى تفاعلات تصارعية دامية ومدمرة لما يشير إلى وجود سليم.

فهل من إدراك لمحنة التشخصن الإنفعالي السقيم؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم