أقلام حرة

التفكير الصادق والتفكير الصحيح

الانسانُ بطَبيعَتِهِ كائِنٌ مُفَكِّرٌ، وهذا مايُمِيِّزُهُ عن سائِرِ العجماوات، ولذلك يمكنُ أنْ نُطْلِقَ صفةَ مُفَكِّر على هذا الكائن المُتَمَيِّز . وَخاصيّةُ التفكير هذهِ التي يَتَمَيّزُ بها الانسانُ هي خاصيّةٌ تَشْكِيكِيَّةٌ - حسب تعبيرات الفلاسفة - اي أنَّها واحدةٌ في جميعِ افرادِ النوعِ الانسانّي، ولكنّها تختلف في مراتبها بين افراد هذا النوعِ . فنجدُ بعضَ الناس يُفَكِّرُ تفكيراً سَطْحِيّاً، وبعضهم يفكر تفكيراً عميقاً .والتفكير انواع، فهناك تفكيرٌ علمِيٌّ وهناك تفكيرٌ خُرافِيٌّ .وهناكَ تفكيرٌ سريعٌ يمارسهُ الاذكياءُ، وهناك تفكيرٌ بطيءٌ يمارسهُ محدودو الذكاء.

عملياتُ الخداعِ في التفكير

ليسَ كلُّ عمليّةِ تفكيرٍصحيحةٍ، هي صادِقَةٌ، لأنَّ الصِّحَةَ تعتمدُ على ترتيبِ مقَدِّماتٍ صحيحةٍ وفق قواعدِ علمِ المنطق، وقد لاتكونُ هذهِ المقدِّماتُ صادقةً، فتكون عمليّةُ التفكيرِ صحيحةً ولكنَّها غيرُ صادقةٍ . فمثلاً لو شكَّلنا قياساً مَنطِقِيّاً من مقدمتينِ :

( كل الاقوياءِ ظالمون ) كبرى كليّة

(زيدٌ من الاقوياء) صغرى جزئية

فستَكونُ النتيجةُ : ( زيدٌ ظالمٌّ) .

النتيجةُ التي توصلنا اليها من خلالِ هذا القياس المُكَّوَن من مقدمتينِ كبرى وصغرى، اننا نجد ان عمليةَ التفكيرِ هذهِ صحيحةٌ وفقَ قواعدِ علمِ المنطقِ، ولكنها ليست صادقة، لأنَّ الكبرى غيرُ صادِقَةٍ، فالنتيجةُ ستكونُ غيرُ صادِقَةٍ .

ومن عمليات الخداعِ في التفكير، الانطلاقُ من افكارٍ مسبَقَةٍ، وترتيب مقدمات للوصول الى النتيجة المقررة سلفاً في أذهاننا، وذلكَ لأنَّ أفكارَنا المُسبَقَةَ بحاجةٍ الى اخضاعها الى فحصٍ واختبارٍ قبل ادخالها في قياس منطقي .

الصِّحَةُ في التفكير الفقهي

الفقهاءُ يتحدثون عن صحة الصلاةِ وصحةِ الصوم، وفق القواعد والشروط التي وضعوها للصحة، ولكنَّهم لايتحدثون عن القبول، لان القبول يشتَرِطُ صحةَ هذه الاعمالِ في الواقعِ ونفسِ الامرِ .

تطور عمليّةِ التفكيرِ وتكاملِها

الانسانُ ومنذُ فجرِ وجودهِ على ظهرِ هذا الكوكبِ، حاول تفسير الاشياء والظواهرِ التي تحيطُ به، ففَسَّرَ ظاهرةَ البرقِ بغضبِ الالهِ جوبيتر . ولكنَّ هذا التفسيرَ الخرافيَّ، هو دليل على ان الانسانَ كائن مفكر، يحاولُ ان يفسرَ الاشياءَ والظواهرَمن حولِهِ.

التفسير الخرافي هو محاولة للتفسير والفهم، والدين قدم للانسان رؤية كونية في تفسير الكون . والفلسفة حاولت ان تقدم رؤيةً وتفسيراً، وذلكَ لأنَّ مهمةَ الفلسفةِ هي التمييزُ بين الواقعيات والاعتباريات والوهميات. (راجع بداية الحكمة، للعلاّمة الطباطبائي ) .

وفي الختام: لابدّ من قراءةِ الافكارِ قراءةً عميقةً، ولابدَّ من إخضاعِها لنقدٍ دقيقٍ . ولابدَّ من ملاحظة عمليات الخداع في طرائق الاستدلال حتى لانقعّ في فخاخِ اجنداتِ اصحابِها المريبة.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم