أقلام حرة

التحنظل السلوكي!!

صادق السامرائيالتحنظل من الحنظل، وهو نبات ثمره يشبه البطيخ وفي داخله بذور شديدة المرورة. ويقال: أمرّ من الحنظل، وتحنظلت الشجرة: صار ثمرها مرّا كالحنظل.

وقد تعجبك ثمرة الحنظل وأنت لا تعرفها وما أن تتورط بأكلها حتى تعرف لذاعة مرارتها، فتأباها وتنكرها.

والتحنظل السلوكي هو الإقدام على سلوكيات مرّة ومريرة مكتنزة في أعماق متوشحة بما ليس فيها.

وقد أتخذ الدين وسيلة لإخفاء التحنظل السلوكي، وتدمير الدين بالفعل المُجهّز على المظهر والقول، بل أن المظهر قد تم إقرانه بالعمل المرير المشين.

وآليات التحنظل السلوكي مستنبطة من ثورة العشرين العراقية، عندما أدركت القوة المحتلة أن الدين قوة لا يمكن مواجهتها، وأنها إنتصرت على الكبرياء الإمبراطوري، فكان مؤتمر القاهرة برئاسة تشرتشل الذي وضع الأسس والمنطلقات اللازمة للتحنظل السلوكي في بلاد العرب أوطاني، وخلاصتها أن يقاتل الدين الدين، أي أن يقتل الدين نفسه بنفسه، وبذلك تتبدد الطاقات وتنحرف عن أهدافها، وتسمح للمصالح بالتأكد والتحقق والإنجاز.

وكان العراق مختبرا لتجريب الوصفات آنذاك، وكان كذلك في عام ألفين وثلاثة ولا يزال، وقد نجحت جميع التجارب وتطورت بعد أن تبدلت إدارتها والقائمين عليها.

ووفقا لذلك التوجه أقيمت السجون المعروفة التي يتدرب فيها الذين يُعدّون للقيام بالسلوكيات الحنظلية، وهذه السجون معروفة ومنتشرة في أرجاء الدنيا، وهي تضخ سوح الوغى الحنظلية بالآلاف من خريجيها، وهم يتوافدون بدرجات عالية من الإجرامية والقدرات التنفيذية الصارخة البشعة، فما فيهم روح إجرام متسيدة تم تعزيزها وتوظيفها وتدريبها، وتسليحها بالمهارات والخبرات الكفيلة بإرعاب البشر في كل مكان، وتسليط الضوء على الهدف الأساسي والرئيسي المطلوب تدميره.

وهكذا تجدنا في معمعة التفاعلات المتحنظلة المتنامية، لأن آليات ضخها متواصلة وناشطة، وتحقق أرباحا حضارية وإنتصارات إنتقامية، وتضع القيود في المعاصم والأقدام، وتمنح التسويغات الكفيلة بالفتك بالبشر، الذي لا يحتاج لإفنائه إلا أن يتهم بالتحنظل، وحنظل يأكل حنظل، والموجهون فرحون بإنجازات المتحنظلين الإجراميين، وهم يرفعون رايات الدين الذي يقتلون.

وعليه فان الواقع العربي يعيش في عصر التحنظل التفاعلي ما بين جميع ما فيه، وهذا يعني أن المسيرة المريرة ستنتهي إلى  متوالية خيباوية ذات خنوع وتبعية، ومصادرة للهوية والوطنية، وستتجرد الأجيال من ذاتها وموضوعها، تتحول إلى مخلوقات تائهة، مؤهلة لمزيد من التحنظل الإتقراضي المبيد.

فهل سنعرف الحنظل كي لا نتحنظل؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم