أقلام حرة

عراق بلاستيكي

صالح الطائيكنت قد نشرت يوم الجمعة الموافق 17 / 06 /2011 في أغلب المواقع الإلكترونية التي أتعامل معها(*) موضوعا بعنوان (قناني المياه البلاستيكية وأزمة الثقة في الحكومات المحلية)، وكنت أتمنى أن يجد لديهم أذنا صاغية، ولكني للأسف لم أشهد سوى تنامي وتغول انتشار النفايات البلاستيكية بشكل مرعب سيكون له أثر عظيم على البلد والشعب، ولذا أعدت صياغة المقال السابق من خلال إضافات وإحصائيات لدعم منهجيته، وأعدت نشره عسى أن ينبري من بينهم من يأخذ على عاتقه القيام بهذا العمل البسيط، ولو أني لا آمل فيهم خيرا أبدا:

في خبر طريف أورده موقع (Yahoo maktoob ) يوم 12/6/2011 أشارة إلى أن  العديد من المنظمات البيئية الكندية تكافح منذ مدة طويلة لحظر استخدام واستهلاك قناني المياه البلاستيكية، لأسباب عديدة منها:

- أن بعض هذه الزجاجات يصعب أن تتحلل حيويا.

- أن عمليات نقل المياه في الشاحنات يزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

- أن مياه الصنبور صالحة للاستهلاك البشري والصنابير تنقل مياه نقية عذبة صحية.

- أن شراء المياه يشكل عبئا ماليا على المواطنين لا داعي له.

وعليه سارعت مقاطعة (مانيتوبا) الكندية (ثاني مقاطعة كندية تعتمد مثل هذه السياسة بعد نوفا سكوتيا) فحظرت على كل إداراتها شراء المياه المعبأة في قناني بلاستيكية بسعة أقل من لتر واحد، ما دامت مياه الصنبور صالحة للشرب ومتاحة للجميع ومتوفرة بدون انقطاع. وشجعت المقاطعة كل الموظفين للتخلي عن شراء قناني المياه من أموالهم الخاصة لصالح مياه الصنبور.

وقد أشاد معهد "بولاريس" وهو منظمة غير حكومية تكافح هيمنة المؤسسات الكبرى على السياسة والاقتصاد في كندا، بقرار ولاية "مانيتوبا" الشجاع رغم معارضة شركة "نستلة" المنتجة للمياه المعبأة. والظاهر أن العالم كله مشغول في مشكلة النفايات البلاستيكية بسبب تأخر تحللها إلى عشرات السنين، وكثرة استخدامها في العالم كله.

دليل ذلك أن هناك حملات تشنها الكثير من البلدان بهدف خفض استهلاك العبوات  البلاستيكية، ففي استراليا انخفض استخدام الأكياس البلاستيكية بنسبة 80 % بعد أن حظرتها اثنتان من أكبر سلاسل الأسواق التجارية الاسترالية. وأعلنت تايوان حظر الأدوات البلاستيكية ذات الاستخدام لمرة واحدة بشكل تدريجي، وتسعى حاليا لتطبيق ذلك والقضاء على هذه الظاهرة. وأعلنت الهند حظرا على الأكياس البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة. وأشر انخفاض حاد في استخدام الأكياس البلاستيك باليونان بعد تطبيق ضريبة البيئة والبالغة 4ر0 يورو (47ر0 دولار) لكل كيس في بداية عام 2018. ووفقا للبيانات التي جمعها معهد أبحاث السلع الاستهلاكية بالتجزئة، فإن استخدام أكياس البلاستيك في عشرة من الأسواق المركزية الكبرى فى الربع الأول من العام انخفض بنسبة 76% مقارنة بنفس الفترة قبل عام مضى. وأشار المعهد إلى أنه إذا ما استمر الاتجاه الحالي، فإنه سيتم استهلاك عدد أقل من أكياس البلاستيك عام 2018 بمقدار 5ر1 مليار كيس. وتأمل الحكومة، وفقا لصحيفة "جريك ريبورتر" اليونانية، من خلال فرض ضريبة البيئة، أن يقل استهلاك الأكياس البلاستيكية للتغلب على مشكلات البيئة، علما بأن اليونانيين يستخدمون الأكياس البلاستيك ضعف المعدل الأوروبي.

إن هذا العمل البنائي الكبير في قيمته والبسيط في تطبيقه يأتي في وقت يستحيل فيه أن نجد مجلس محافظة من المحافظات العراقية من الشمال إلى الجنوب على استعداد ليلتفت إلى مثل هذه الجنبة البسيطة بعد أن عجز كليا عن الالتفات إلى الأمور الكبيرة المتراكمة، أو ليتابع شؤون مواطنيه وجزئيات حياتهم بهذا الشكل الدقيق، أو ليحرص على صحة سكان محافظته، أو على أموال المواطنين ومدخولاتهم، أو ليتعهد بصلاحية استخدام المياه الواصلة إلى البيوت للاستهلاك البشري عبر الصنبور، أو ليهتم بالبيئة والاحتباس الحراري والملوثات، أو ليثبت أن المياه المعبأة بالقناني البلاستيكية (المحلية والمستوردة مجهولة المنشأ) صالحة للاستهلاك البشري، أو ليأخذ موقفا مشابها في أي قضية أخرى، أو ليثبت لمواطنيه أنه جاء ليعمل على خدمتهم ومن أجلهم.

وبالتأكيد لا يمكن لأي من هذه الأمور أن تتحقق، لأن أعضاء مجالس محافظاتنا أنفسهم، إما أن يكونوا أصحاب المشاريع الوهمية التي تأخذ المياه من الصنبور أو من السواقي والأنهار وتعبئها في القناني، وتطرحها إلى السواق كمياه معقمة، أو انه المستورد الرئيس للمياه المعبأة، أو انه صاحب معمل بلاستك ينتج قناني المياه، أو انه يملك أسطولا للنقل يدر نقل المياه عليه ربحا كبيرا، أو انه صاحب محطة وقود يهمه كثيرا أن تتحرك الشاحنات ليبيع لها الوقود بالسوق السوداء. أو انه لا يدري أن كل ما يهم المواطن من صغائر الأمور وكبائرها من اختصاصه، ويعنيه كليا، وهو مسؤول عنه في الدارين الدنيا والآخرة، ما دام صوت المواطن المنكوب هو الذي أوصله إلى هذا المركز، وأجلسه على الكرسي الوفير. 

إن المتابع لكميات قناني المياه البلاستيكية وأكياس البلاستك ذات الاستخدام الواحد وقناني العصائر والمرطبات، التي تطرح مع النفايات أو تلقى على سواحل الأنهار وفي الطرقات والمناطق السكنية والمزارع وغيرها في جميع مدن العراق وقصباته وقراه، يشعر وكأن هناك غزوا بلاستيكيا يكتسح العراق، وأنه سيغطي خلال السنوات القليلة القادمة إذا ما استمر بالتصاعد بهذا الشكل الجنوني كامل مساحة العراق، وسيتحول إلى مشكلة بيئية في غاية الخطورة، تتهدد حياتنا وحياة الحيوانات والزراعة والصناعة والتربة والصحة وكل شيء.

إن تنظيم حملات في المدارس والمناطق السكنية لنشر ثقافة إعادة تدوير النفايات البلاستيكية والتشجيع على ذلك ووضع حوافز تشجيعية فضلا عن نشر الوعي عن مخاطر انتشار البلاستك من خلال تعاون الحكومات المحلية والجامعات والمدارس والدوائر والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والصحية والبيئية، قد يسهم في الحد من تنامي هذا الخطر المرعب. علما أن هذا المشروع لا يكلف الحكومات المحلية سوى مبالغ زهيدة تصرف على شراء حاويات تستخدم لحفظ أنواع البلاستك، وتوزيعها مجانا على المستخدمين، وتخصيص عجلات لجمعها، وربما إنشاء معمل ثرم وإعادة تدوير البلاستك المجموع لإنتاج الحبيبات البلاستيكية، وبيعها إلى أصحاب المعامل، أو إنشاء معامل بسيطة لابتكار تصنيع المنتج واستخدامه في أغراض البلديات، وبالتالي سيتحول المشروع برمته إلى استثمار مربح صحيا وجماليا وماديا.

 

صالح الطائي

......................

(*) ينظر: موقع صحيفة المثقف، لمتابعة الموضوع الأول، الرابط

http://www.almothaqaf.com/nessos/nessos-14/207-aqlam2009/50215

 

 

في المثقف اليوم