أقلام حرة

وعي الفكرة!!

صادق السامرائيلوْ لمْ تكن الفكرة واعية لما إستحوذت على الموجود الحالّة فيه، ولما إختارت وعاءها، فهي ذات وعي ومتبصرة بما تريد وتسعى إليه وتنوي إنجازه.

أي أن الفكرة طاقة  تعرف وتستشرف وتدرك مآلاتها وتطلعاتها، ومستودعات ذخائرها الإيجابية والسلبية.

وعندما تنطلق الفكرة في فضاءات الوجود الشاسعة، تمتلك آليات كهرومغناطيسية تعينها على الجذب والإنجذاب، مما ييسر إحلالها وتحققها في الكيان الذي يجذبها أو تنجذب إليه.

فالفكرة بذرة، لكنها تختلف عن أية بذرة أحرى في جوهر كينونتها وصيرورتها، لأنها حية طاقوية ضوئية كهربائية مغناطيسية  متفاعلة، لا يمكن للدماغ العادي مهما إمتلك من آفاق الوعي ومدارج الإدراك أن يبصرها ويراها، لكنها فاعلة تدل على وجودها بآثارها وتأثيرها.

أي أن الفكرة  وجود ذاتي قابل للنماء والتفاعل والتراكم والإندماج والإنشطار والإنفجار الهائل، لأنها يمكنها أن تحقق كافة درجات وقدرات أي إنفجار من مطلقه الكوني إلى ما يكمن في أصغر الكينونات المتناهية بالذات اللامدركة.

ومع كل ما يحيط ماهية الفكرة من خفايا وأسرار وحجب وغشاوات وتقديرات، لكنها تتمسك بوعيها وترسم خارطة نفاذها وتوطنها للصيرورات المادية المحسوسة من قبل الأحياء كافة.

ولا يمكن الجزم بالقول أن الفكرة لا تختار، وإنما هي بسبب ما فيها من طاقات جذب وتجاذب وتنافر، تؤكد على أنها تختار سوحها وميادينها وتكون سعيدة بالتعايش مع غيرها من الأفكار، لأنها تسعى للنماء والإزدهار، مهما كان نوعها وحالتها القطبية والإنجذابية نحو غيرها أو تنافرها معها.

فمنبع الأفكار ينبوع هادئ متدفق بإيقاع منتظم ودوران منضبط ومحسوب بدقة وتمام.

وما الموجودات القائمة بأنواعها إلا تعبيرات مادية وحركية أو غيرها عن  خيار الفكرة وقرارها وإرادتها، التي عبرت عنها ونفذتها بإصرار وحكمة ومنهج شديد الإنطلاق نحو الهدف المرسوم.

وحالما تختار الفكرة وعاءها يتجسد ما فيها ويتفاعل مع مفردات الموجود القابضة عليه، مما يؤدي إلى نتائج  متنوعة متفقة مع طبيعة تلك المفردات.

وكل طاقة تمتلك إرادة الحياة فهي واعية، وعندما تتسرب في كيان صيدها وتتأصل فيه تدفعه إلى حالة تحقيق وعيها، وبهذا يدركها ويكون صوتها وآلتها المنفذة لإرادتها الكونية.

ويمكن القول أن الوعي يتأكد عندما  تنجز الفكرة خيارها، وتبدأ مشروعها الكامن فيها، والمنطلق إلى فضاء وجود يتحرك فيه الذي أمسكت به وتحكمت بمصيره وحددت آفاق رؤاه.

فالأفكار كائنات حية تتوالد وتنمو وتموت، والموت بعني إندثار ذاتها وتحرر طاقتها وإمتلاكها من قبل فكرة أخرى.

فالأفكار تأكل بعضها كالأسماك، وتلاقح بعضها، وتتنوع فيما بينها وتتعدد إلى درجة المطلق.

وكل حالة نحاول تسميتها إنما هي فكرة لها مراداتها وتطلعاتها وعمرها الذي عليها أن تتمتع به، وتكون كما تختار أن تكون، والإختيار طاقة متنامية متفاعلة مع كيان  الموجود ات وتحدد مصيرها، وتحتم عليها ما يجب أن يكون وفقا لمعادلات تحرير الطاقات وتحقيق التوازنات والحفاظ على الإيقاعات والمساهمة في سرمدية البقاء والدوران.

والفكرة هي جوهر الوجود الكوني ومنطلق الإنبعاث الصيروراتي، الذي يعيد تصنيع العناصر والمفردات وصبها في قوالب متوافقة مع زمانها ومكانها، وهي على قاطرات التبدلات والتغيرات المتدفقة التطلعات والأمنيات.

ولكي نكون علينا أن نتفاعل مع أفكارنا بحرية وإبداع وثقة بالقدرة على صناعة الحياة.

فهل من وعي خلاّق لافكارنا لنحقق الإنطلاق؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم