أقلام حرة

ألاسلامُ وَثُنائِيَّةُ المُقَدَّسِ والمُدَنَّس

تحدث عالمُ الاجتماعِ الفرَنسيّ (إميل دوركايم) عَنْ ثُنائيَّةِ المُقَدس والمُدنس، وافتَرَضَهُما مُتَعارِضَينِ مُتَشاكِسَينِ لايلتَقِيان . واعتبر المقدسَ مايَتَماهى مع الالهي والديني . وَامّا المُدنس فكلُّ ماهو دنيوي.

عالمُ الاديانِ البولَندي (مرسيا الياد) في كتابه: (المُقدس والمُدنس) تعرضَ الى مفهوم المُقدس والمُدنس . واعتبرَ (مرسيا الياد): ان الدُنيَوي لكي يكونَ ذا قيمةٍ عندَ الانسانِ التقليديَ لابُدَّ ان يكونَ لَهُ ارتباطٌ بالعالَمِ القُدسيّ .

المسيحيَّةُ وفكرةُ المُدَّنَس

قامت المسيحيَّةُ، وأسَست بنيانَها على فكرةِ الخطيئة، فهي ترى ان الخطيئةَ دخلت عالمَنا حين اكلَ ادمُ وحواءُ من الشجرة . عندها اصبَحَ عالَمُنا مُدَّنَساً ؛ ولذا احتاج عالمُنا الى عملٍ كَفّاريٍّ عَظيمٍ قام به السيِّدُ المَسيحُ عليه السلام. وعلى هذا الاساس برزت فكرة الرهبنة وهجر الدنيا ومُتَعِها، والعُزوفِ عن الزواج في المسيحية، باعتبارها حالة تَطَّهرية في مقابل الدنس الذي دخل دُنيانا من جَرّاء الخطيئة. وهذه الفكرةُ واضحة في طُقوسِ الطوافِ عندَ اهلِ الجاهليَّةِ، الذينَ كانوا يطوفون في البيتِ عراةً على اعتبارِ أنَّ ملابسَهم ارتكبوا فيها الخطيئة ؛ ليفصلوا بين المُقدس والمُدنس .وفي الهندوسية عزوف عن الحياة وتعذيب للجسد ؛ من اجل التقرب الى الاله بترك المُدنس.

موقف الاسلام من هذهِ الثنائية

الاسلام لايرى فصلاً وثُنائيَّةً بينَ المُقَدس والمُدَّنس، ولايرى في الحياة الدنيا خطيئةً ورجساً، فالرسولُ صلى اللهُ عليه واله وسلم تزوج، ومارس حياته، وكان ياكل ويشرب ويتزوج النساء ويستمتع بالطيب والعطر . ومما ورد من اقوال الامام علي (ع): (الدنيا مزرعةُ الاخرة)، وقوله (ع): (الدنيا متجرُ اولياءِ الله) .

والقران الكريم لم يعتبر زينة الحياة وطيباتها محظورة على الناس، ولم يعدها رِجساً، وفي هذا المجالِ، يقولُ الله تعالى:

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الاعراف: الاية: 32 . وقوله تعالى:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص: الاية: 77. وقوله تعالى: ياايُّها الناسُ كُلُوا ممّا في الارضِ حلالاً طيباً ولاتتبعوا خُطُواتِ الشيطانِ انَّهُ لكم عدوٌ مُبينٌ) البقرة: الاية: 168 .

وختامُ القولِ، ان الحياة الدنيا ليست رجساً يجبُ التطهر منه، وانما مقاصد الانسان الخيّرة تضفي قداسةً على الحياةِ وطهارة . ومقاصد الانسانِ الخبيثةِ ورغباتُهُ الشريرة، تصيّر الحياة دَنَساً ورِجساً، وشقاءً وَنَكَداً .

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم