أقلام حرة

إبن رشد عدونا!!

صادق السامرائيسألني زميلي وهو من المهتمين بتأريخ العلوم والفكر قائلا: هل تعرف إبن رشد؟!!

قلت: وكيف لا أعرفه وقد كنت أعمل في مستشفى تحمل إسمه، وما علمتني شيئا عنه، لكني إطلعت على حياته وإنجازاته!!

قال: أ تعلم أن مؤلفاته مترجمة لللاتينية والعبرية، وهناك إتجاهات فكرية فلسفية تنسب إليه في الحالتين؟

قلت: أعلم أن كتبه قد ترجمت لهاتين اللغتين في بداية القرن الثالث عشر في ألمانيا وانتشرت في فرنسا وإيطاليا.

قال: هناك ما يسمونه بالرشدية اللاتينية والرشدية العبرية، وقد لعبت دورها في تحرير العالم الغربي من العصور المظلمة ومن هيمنة الكنيسة على العقل.

قلت: إبن رشد من أكثر الفلاسفة فهما وقربا لأرسطو وترجم كتبه إلى العربية بأسلوب يستطيع القارئ أن يفهمها، وذلك في القرن الثاني عشر بموجب طلب من أمير قرطبة، الذي كان شغوفا بالفكر والفلسفة وتساءل عمّن يعينه على فهم كتب أرسطو، فأخبره العالم الكبير إبن طفيل بوجود شخص متحمس إسمه إبن رشد يمكنه أن يقوم بالمهمة.

 وكان وقتها في مقتبل العمر لكنه نابغ الذكاء وثري المعرفة، ومن عائلة تتميز بالفقه وعلوم القرآن، فجده قاضي قضاة قرطبة وكذلك أبوه ومن ثم هو قد تسنم ذات المنصب.

قال: لم أجد له أثرا في العالم العربي؟!

قلت: لقد تم إقصاؤه ولولا مكانته وعراقة عائلته ومنزلتها لتم قتله، فكتبه أحرقت، ونفي إلى مدينة يقطنها غير المسلمين، لكنه بكل تأكيد أنار عقول أهل تلك المدينة.

قال: مع الأسف!!

قلت: بسبب هذه السلوكيات التي تواصلت عند العرب والمسلمين صار حالهم على ما هم عليه اليوم، إذ أطفؤا أنوار الفكر والعقل وتراكضوا وراء سرابات البهتان والضلال، فداسوا على العقل ومنعوه من التفاعل مع الحياة وتجمدوا في نمطية حرفية نصية، لا يمكن الحياد عنها، فهم يسيرون على ذات السكة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وإن تجرأ أحدهم أن يخرج عنها يلقى مصيرا مروعا.

وما عاناه إبن رشد لا يُقارَن بما أصاب العديد من الأنوار العقلية العربية على مر العصور، فمَن يخرج عن سكة الملة يسمى كافرا أو زنديقا، وتتراكم الفتاوى القاضية بقتله أبشع قتلة، لكي يكون عبرة لمن يفكر بالخروج عن إرادة الملة أو إجماع الأمة!!

قال: إنه لمأزق حضاري مروع!!

قلت: وكذا هي أحوالنا من سيئ إلى أسوأ مآل!!

فهل للعقل دور في حياتنا المعاصرة؟!!

- إبن رشد (14\4\1126 قرطبة -10\12\1198 مراكش)

- إبن طفيل (1105 قرطبة- 1185 مراكش)

 

د. صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم