أقلام حرة

أَلفُوضى أَلْضَرورَة وَالفُوضى الخَلّاقَة

الأنظِمَةُ الاستِبداديّةُ تَصْنَعُ قوالبَ جاهزَةً، ومساراتٍ مُقَنّنَةٍ ... تريد من جماهِيرِها وَشعوبِها، انْ تَتَحَرَكَ ضمنَ هذهِ القوالب والاطر، وأَنْ تَتَكَيَفَ وفقَ هذهِ المساراتِ المرسومةِ ؛ اذ لامجالَ للاختيارِ والتَفْكيرِ وفقَ اطرٍ جديدةٍ خارجَ ماهوَ مرسوم سلفاً.

والثُّوارُ عندما يُخَطِطُون للثورةِ على هذهِ الانظمةِ، لابُدَّ ان يتمردوا على هذهِ القوالبِ والأُطُرِ الجاهزة ِ، ولابُدَّ ان يخلقوا حالةَ فُوضى ابّان مواجهةِ النظام المستبد، حالَةُ الفُوضى هذهِ، اطلقتُ عليها : (الفُوضى الضَرورَة)، وهي حالة مؤقتة تقتَضيها ظُروفُ المواجهة مع النظام المستبد . وهذه الحالةُ ينبغي انْ لاتستمرَّ بعد نهايةِ النظام المستبد.

الفوضى الضرورة ينبغي ان تكونَ محصورةً في مواجهة النظام ومؤسساتهِ القمعيّةِ، ولايجوز ان تمتدَّ الى النظام العام، وهو النظامُ الذي يَضمَن مصالحَ الناس ومعاشهم، كأنظِمَةِ المرور، ونظام التعليم، ونظام خدمات المواطنين ؛ لان هذه الحقول والميادين، لاتوجد ايةُ ضَرورةٍ بنَقلِ الفُوضى اليها .

لافُوضى ضروة مع الانظمة غير المستبدَّة

لاتوجد ايةُ ضرورةٍ لايِّ نوعٍ من الفُوضى، مع الانطمة غير الاستبداديّة ؛ وذلكَ لأنَّ هذهِ الانطمةَ اختارتها الشعوبُ، وحكوماتها صنعتها الشعوب ؛ فلا معنى لاثارة الفُوضى في وجهها والاطاحةِ بها . لابد ان يكون حراك الشعوب مع الانظمة غير المستبدة حراكا يستندُ الى القانونِ، ويحتكمُ الى الدستور.

الفُوضى الضرورة والفُوضى الخَلّاقَة

الفُوضى الضرورة التي اقول بها، هي حالةُ اضطرارٍ، كحالة المُضطَرِّ الى اكلِ المَيْتَةِ، وهي حالة مُؤقَتَة بظروف مُواجهة الانظمةِ الاستبداديَّةِ، ولابدَّ ان تنتهيَ بعدَ اسقاطِ هذه الانظمةِ . والفُوضى الضرورة فُوضى تهدمُ ولاتخلق ؛ اذ لاخلقَ في الفُوضى .والفوضى الضرورة ليست هي الاصل، بل هي الاستثناء، هي حالةٌ طارئةٌ.

الفُوضى الخَلّاقَةُ التي طرحتها (كوندليزا رايس)، لم تكن خلّاقة، بل قوضت بلداننا، وفككت دولنا، ومزقت شعوبَنا .

لا معنى للخلق من خلال الفُوضى؛ اذ الفُوضى تقوّض، وتهدمُ، ولاتخلق، وليس بامكانها ان تخلق؛ اذ لاسِنخِيَةَ بينَها وبين الخلق.

اكبر النظريات العلميّة في تفسيرِ نشأةِ الكونِ هي نظريةُ (الانفجار الكبير)، وهي نظرية تقوم على اساس ان الفُوضى هي مصدرُ الخلق . من الفُوضى الكونية والسديم المتناثر تَخَلَّقَ الكونَ، فرضية غير مقبولة . نعم، اقبلُها على اساس فرضية الفُوضى الضرورة، التي تفترض انها ضرورة مؤقتة ومن ورائها مُصَّمِمٌ عظيمٌ يتحكمُ في بداياتها ونهاياتها .والضرورة هنا هي ضرورة للخلق لاللخالق.

وكذلك اكبر نظرية قدمها العلمُ في تفسير نشأةِ الحياة، هي نظرية دارون التي قامت على اساسِ الفُوضى والعَشوائِيَّةِ والمصادفةِ في نشأةِ الحياةِ والكائنات الحيّة على وجهِ الارض.نعم، يمكن انْ اقبلَ النظريةَ على اساسِ فرضية (الفُوضى الضرورة)، وان هذه فُوضى اقتضتها ضرورة الخلق لاضرورة الخالق، وانَّ هذهِ العمليَةَ من ورائها خالقٌ حكيم، وَمُصَمِمٌ بديع .

وفي الختام اوجه كلمة للشعب الجزائري، ان لايتجهَ حراكُهُ نَحوَ الفُوضى الخلاقة التي اكلت الاخضر واليابس، بل يتجه حراكه باتجاه الفُوضى الضرورة المنضبطة في حراكها، والواعيّة في خُطُواتها . على الشعب الجزائري ان يحققَ اهدافه في تغيير النظام بطرقٍ واساليبَ تضمن التغيير، وتبقي على الدولة.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم