أقلام حرة

التيار المعرفي المجهول!!

صادق السامرائيالسائد والمهيمن في الواقع العربي هو التيار الأصولي بمسمياته وتفرعاته وتجمعاته وأحزابه وفرقه وجماعاته، ولا يوجد في الأمة تيار معرفي ثقافي تنويري فاعل في مسيرة الأجيال، ولهذا فأن الأمة تعيش في أزمات، وصراعات خسرانية فادحة المآلات.

فالمثقفون والمفكرون والفلاسفة العرب قد فشلوا في صناعة التيار الحضاري المعاصر، الذي يطلق الطاقات الجماهيرية ويرتقي بالشباب إلى آفاق العصر المتسعة.

قد يعترض البعض، لكنهم لايمكنهم الإتيان بدليل على وجود تيار معرفي تنويري في الأمة، وأتفق معهم أن هناك أقلام فردية تنويرية هنا وهناك، لكنها لا تساهم في الإستنهاض الجمعي لأنها جهود فردية تؤثر في جمع قليل من أبناء الأمة، كالشمعة التي تأكل نفسها وتنطفئ بعد ذلك.

بينما في المجتمعات المتقدمة هناك تيارات ثقافية ومعرفية متجددة تتفاعل معها الجماهير، فتنطلق بها نحو  الإنتقالات الحضارية والتغيرات المتواصلة في مسيرة الحياة.

ولهذا في مجتمعاتنا تجدنا أمام محنة القطيعية، بمعنى أن الناس تتحول إلى قطيع خانع خاضع لعمامة ما تديرها كما تدير المحبس في الإصبع، فلو أنها دعتها للتظاهر فأنها ستهب عن بكرة أبيها لتنفيذ الطلب، لأنها إرتضت بدورها التبعي الخنوعي الإستسلامي المجرد من التعقل والنظر والتبصر، وإنما صارت التبعية عندها طقس ديني وتعبير عن الإيمان.

فالتبعية لهذه العمامة أو تلك تقرب إلى الرب زلفى.

ترى لماذا فشلت العقول العربية المنورة في صناعة التيار المتوافق مع رؤاها المعاصرة؟

وقبل الإجابة على التساؤول لا بد من الإعتراف بأن الأمة غنية بالقدرات العقلية الثاقبة الرؤى والنظر، والمؤهلة لصناعة الحضارة الوطنية وتقديم الإبداعات الأصيلة المؤثرة في الحياة الإنسانية.

ويبدو أن المثقف العربي يتميز بصفات تمنعه من التفاعل لصناعة التيار، ومنها النرجسية، الأنانية، الصومعية، التعالي، النخبوية، الخوف، اليأس، وعدم الشعور بالمسؤولية، ويمكن البحث في أسباب أخرى.

ويمكن القول أن الصومعية بمعنى الإنعزالية والإندساس في الذات والتصومع في الموضوع الذي يهتم به، هي السائدة عند المثقف العربي، فهو يفتقد للجرأة في الطرح ويعوزه الإقدام والإيمان بما يذهب إليه، ويأكله الإحجام والتردد والإمعان بالإندحار الذاتي والموضوعي، مما يجعله يعطي بتوجس وتردد بل وكأنه مصاب بالوسواس وفقدان إرادة التحدي والإصرار.

فالمثقف العربي متصومع  - إن صح التعبير - ويأكله اليأس ويستشري فيه الإحباط، ويميل إلى إنكار التفاؤل، وإلغاء الأمل، وما وجدت مثقفا عربيا متفائلا ومتحديا إلا في ما قل وندر، وهذه عاهة جسيمة تستحق النظر.

" إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة....فإن فساد الرأي أن تترددا"

فالمثقف العربي بحاجة إلى جرأة في الطرح ومطاولة وصلابة وإيمان مطلق بأن المستقبل سيكون أفضل، وأن عليه أن يعمل بقوة لإستحضار المستقبل وتأهيل الجماهير للعيش والإنتصار فيه، بدلا من إستلطاف العيش في الماضي والإندحار فيه.

فهل ستتفاعل العقول العربية المنورة لصناعة تيار إستهاضي تنويري، يزيح التيارات البهتانية التضليلية السائدة والمهيمنة على الوعي الجمعي العربي؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم