أقلام حرة

العظَمَةُ المُتَفَرِّدَةُ في الشَخصِيَّةِ العَلَوِيَّة

لَو سأَلنا أَكثرَ الناسِ عن مفهومهم للعظمةِ، ستكون اجوبتُهم لاتتجاوز المظاهرَ الماديَّةّ للعَظَمَةِ . العَظَمَةُ عندَ اكثرِ الناس، الاموال المُقَنطَرةُ من الذَهَبِ والفضةِ، والعقارات، والجاه العريض، والسلطان الواسع .

العظماءُ في نظرهم، اباطرة الرومانِ، واكاسرة الفرس، والاسكندر المقدوني، ونابليون بونابرت.. انهم ينبهرون بالمظاهر والسلطان العريض .وقليلٌ من الناسِ من يلتفت الى عظمة السجايا والملكات، والصفات النفسيَّةِ، بل لايجدون بين هذه الصفات الذاتية والسجايا التي انطوت عليها نُفوسُ الكبار، وبين العظمة نسبٌ او سببٌ.

وفي عليٍّ عليه السلام تواجهنا هذه العَظَمَةَ المتفردة في مزاياها وسجاياها.. واذا كانت ولادتُهُ في الكعبة مَزِيَّةً تَفَرَّدَ بها عليٌّ عليه السلام، الاّ انّها تمثِّلُ كرامةً حباهُ اللهُ بها ومزيةً امتازَ بها على العالمين، وهي مما انفرد به، الا انني اريد ان افتشَ عن العظمةِ في نفس عليٍّ، واهمُّ ميزةٍ امتازَ بها الاميرُ، واهمُّ صفة ذاتية، هي المعياريّة، عليٌّ معيارٌ للحقِ والباطلِ والهدى والضلال.

والى هذه الصفة، اشار النبيُّ وهو يتحدثُ عن امير المؤمنينَ عليه السلام بقوله صلى الله عليه واله وسلم:

(علي مع الحق والحق مع علي يدورُمعهُ حيثما دار) .

(عليٌّ معَ القُرآنِ والقُرآنِ معَ عليٍّ)

(ياعمار، لو سلكَ الناسُ وادياً، وسلك عليٌّ وادِياً اخر، فاسلكِ الواديَ الذي سلكه عليَ)

فعَليٌّ معيارٌ، والمعيارُ لايُخطيءُ، ولايميلُ، ولايحيفُ.

والمعيارُ يُحتَكَمُ اليه، حينَ تضظربُ الامورُ، وتحارُ العقول في مواجهةِ المُعضلاتِ، وهذه المعياريّة التي لاتتجاوز الحقَ ولاتُخطِؤُهُ، شهدَ لهُ بها الخليفةُ الثاني ؛ اذ كانَ يردد دائماً (ماكنتُ لمعضلةٍ الا ولها ابو الحسن)، (لولا عليٌّ لهلكَ عُمَرُ) . وقد قال الخليل ابن احمد الفراهيدي حينما سئل عن الدليل على امامة عليٍّ، قال: (احتياج الكلِّ اليهِ واستغناؤُهُ عن الكُلِّ ؛ فذلك دليلٌ على انه امامُ الكلِّ) . الامام يعني المعيار، الملاذ، الملجأ والمفزع . والامام صفة تفرد بها عليٌّ عن غيره ؛ حتى ان العقاد في عبقرياته، تحدث عن (عبقرية الصديق)، (عبقرية الفاروق)، و(ذور النورين)، ولكنه حينما كتب عن الامام، وصفه بوصف الامام (عبقرية الامام علي) .

وقد عبَّرَ النبيُّ (ص) عن معيارية عليٍّ عليه السلام عندما برز الى عمرو بن عبد ود العامري بقوله: (برز الايمان كلُّهُ الى الشركِ كله) . ولانّ علياً معيارٌ فضربته يوم الخندق لابن ود العامري لها ميزة وخصوصية، هي ضربة معيارية، وليست مجرد ضربةً لبطلٍ في ساحة معركة . يقول النبي (ص): (ضربةُ عليٍّ لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين) . انها الضربة الميزان التي فصلت في معركةٍ فاصلة بين الحق والباطل.

والمعيارية نجدها في سلوك علي (ع)، وحياته، وحروبه، وحكمه . ففي حروبه لم يقاتل عليٌّ بشهوةٍ ورغبةٍ في الانتقام، لم يتشفَ بخصومه، ولم ينتقم منهم، بل بكى على مصارعهم، وردَّ امَ المؤمنين معززةً مكرمة . وفي حكمه لم يميز في العطاء بين قنبر ونفسه، ولابين امرأة عربية واخرى من الموالي . بل كان الجميع سواء عنده، انه المعيار الذي لايخطيء الحق في حكمه، ولايجوز، ولايجابي ولايميل .

معيار الحق عنده حاكمٌ حتى ولو ادى الى ذهاب سلطته . فقد اشار اليه بعض اصحابه ان يبقي معاوية لبرهةٍ من الزمن ؛ حتى تستقر له الاوضاع، ولكنه رفض بشدة قائلاً: اتامروني ان اطلب النصر بالجور) . انه المعيار الذي لايحابي ولايجامل ولايميل، انه المعيار الذي يجعل الحق فوق المصالح والمنافع والاعتبارات .

سلام الله عليك ياامير المؤمنين في يوم ولادتك، ويوم شهادتك، ويوم تبعث حيا، مع النبيين والصديقين وحسن اولئك رفيقا.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم