أقلام حرة

تساؤلات مشروعة أمام المجلس الأعلى لمكافحة الفساد

شاكر الساعديالفساد مشكلة ظلت تؤرق مضجع صناع القرار والمهتمين بالإصلاح والتنمية في مختلف المجتمعات. وقد حظيت قضية الفساد ومكافحته باهتمام متزايد على مختلف المستويات الوطنيّة والإقليمية والعالمية خلال العقود الأخيرة باعتباره واحداً من التحديات الخطيرة والمكلفة التي تواجه تطلعات الإنسانية نحو التقدّم والازدهار.

أن آفة الفساد بمختلف أشكاله هو أمر شائع في الكثير من الدول والمجتمعات، خاصة تلك التي تضعف فيها أنظمة الرقابة والمحاسبة وتتضاءل فيها الرغبة السياسيّة في مقاومة الفساد أو تغيب تماماً.

أيام النظام السابق أي قبل عام 2003 وتحديداً في تسعينيات القرن الماضي كان الموظف بحاجة إلى المال لكي يعيش بطريقة تسعده وتسعد عائلته، وراتبه حينها غير كاف لهذا الغرض بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق آنذاك، بحيث أصبحت سرقة المال العام مودة يمارسها الكثير من المسئولين في الدولة وأغلب الموظفين العاديين إلا ما نادر منهم ممن يخاف الله وعقابه الصارم أو الخوف من سطوة القانون الذي لا يميز بين سرقة الدينار والمليون آنذاك.

واليوم الكثير من هؤلاء الفاسدين يعيشون حالة من التضخيم والتعظيم لذاتهم لكي يمرروا فسادهم المالي والأخلاقي وينتظرون من الآخرين التمجيد والنفاق والرياء لكي يشعروا بالسعادة والاطمئنان بأنهم أقوياء وذوو مكانة مرموقة شانهم شان الشخصية النرجسية، وكأن العمل ليس له أصوله وقواعده وواجباته وحقوقه ومسؤولياته، فأصبح الفاسد لا يؤمن بالجهد الصادق والعمل الجيد والأداء المتقن.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما الأقنعة التي يستخدمها الفاسدون والمحتالون على المال العام؟ وخاصة أصحاب القرار في الشركات الحكومية من الذين ولدوا بطريقة غير شرعية من رحم النظام السابق وتربوا على أفكاره الشيطانية ومارسوها فعلاً وقولاً بعد إحساسهم بالحرية والأمن وضعف العقاب في عصر الديمقراطية العراقية الجديدة وحكومات التوافق العرقي والطائفي الحالية.

وأولى تلك الأقنعة التي يأتي بها الفاسد هو انه صاحب خبرة ومشورة في الاختصاص الذي يمارسه وانه سهل في تنفيذ القانون ومرن في تطبيق تعليمات الدولة مما يجعل المسئول الأعلى أو المدير العام معجب بشخصيته المرنة ظاهريا المزيفة داخليا لأنه أساسا متأهب لاستلاب العقول قبل الأموال .

وهناك مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية التي تجعل من الفاسد محل ترحيب من البعض كأن يكون من المندسين في بعض الأحزاب العاملة على الساحة العراقية.

لذلك انتشرت أنواع متعددة من الفساد في العراق البعض منها كان مألوف لدى الجميع والبعض الأخر جديد على الساحة ... ومنها:-

1- الرشوة: التي يتقاضاها بعض موظفي الدوائر والشركات الحكومية مقابل انجاز معاملات المواطنين، وخاصة في دوائر الضريبة والتسجيل العقاري .

 -2دوائر المشتريات: تعتبر تلكم الدوائر مرتع خصب للفساد ويتم فيها تزوير الإيصالات المالية أو الاتفاق مع المجهزين من أجل السرقة . وبعض المدراء يبيعون قسم المشتريات بيعاً علناً لموظفين معينين، مقابل مبالغ مالية كبيرة.

3 - بيع الوظائف والتعيينات: التي أصبحت مورداً مالياً للموظفين المختصين . وقد وصل سعر الوظيفة في بعض الوزارات إلى 12 مليون دينار (دفتر) كما يقولون . بينما تكون الوظائف في الوزارات الربحية أعلى سعرا كوزارة النفط أو وزارة التجارة .

4 - بيع المعابر الحدودية ونقاط السيطرة: إذ يقوم شخص متنفذ ببيع المنفذ الفلاني أو السيطرة الفلاني لآخر بالمليارات لأنها تدر أموالاً طائلة تؤخذ من الجمارك أو على شكل خاوات إجبارية من التجار، ونتيجة تلك الحالة جرت صراعات دموية بين المتنفذين راح ضحيتها الكثير منهم ومن العاملين معهم، وقد تعرض أرشيف منفذ زرباطية في محافظة واسط مؤخراً إلى حريق تزامناً مع وجود لجنة تدقيقية من قبل ديوان الرقابة المالية، وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض لها الأرشيف.

5- أماكن جلوس الشحاذين: اغرب حالات الفساد بيع مكان جلوس لشحاذ أو شحاذة مقابل اجر يومي للمكان . وهذا يذكرنا برواية خان الخليلي لنجيب محفوظ وزيطة صانع العاهات .

6 - بيع الرتب العسكرية: فالرتبة العسكرية مجرد اسم ولقب في سجل عليه رقم أمر ديواني وتوقيع، وختم و أية موظف لص قادر على كتابة هذه الأشياء لتتحول إلى راتب شهري ممتاز لصاحب الرتبة .

7 - بيع الشهادات العليا: يباع البحث الذي يعرض على لجنة المناقشة من أجل الحصول على شهادة أعلى،آو تكون الشهادة الأعلى كلها وهمية لكنها مثبتة وموقعة وحائزة على كل أسباب الشرعية، وبدرجة جيد جداً على أقل تقدير .

8 - رشوة القضاة والمحامين والمدعين: من اجل تبرئة مجرمين أو تجريم أبرياء أو تخفيف حكم أو إلغاءه، وعند مراجعتك لأحدى المحاكم تجدها تأن فيها الرياح، وعدد المحامين فيها أكثر من عدد المراجعين لأن المحاماة أصبحت مهنة تجارية .

9 - العمولات: التي تؤخذ في عقود الاستثمار والتجهيز في الداخل الخارج، وتصل أقيامها إلى المليارات، وإذا كان المستفيد من الخط الأول فقد يكون العقد والمشروع والشركة كلها أشياء وهمية .

10 - المقاولات الحزبية: كثير من الأحزاب لديها أشخاص مهمتهم تحصيل الأموال، يتم تسهيل تعاقدهم مع الدولة بصفتهم مقاولين في مشاريع استثمارية وهمية مسجلة على الورق فقط، يتسلمون منها المليارات، وخير دليل على ذلك وجود اللجان التجارية (سيئة الصيت) في الوزارات .

 11 - سرقات الأحزاب: هناك وزارات مقسمة على الأحزاب حسب المحاصصة وكل حزب يمول معظم نشاطاته ويزيد ثروة قادته من موازنة الوزارة، فالوزارة تلك بالنسبة إلى الحزب هي مصدر تمويل وليس مؤسسة خدمة عامة .

 12 - بيع الدرجات الخاصة: بعض الأحزاب تبيع الدرجات الخاصة لاغنياءها، فلدرجة الوزير ووكيل الوزير والمدير العام ومعاونه تسعير في الأحزاب، والمشتري يدفع أو لا سعر الوظيفة إلى الحزب ثم يدفع مبلغا شهريا أيضا.

13 - العمالة للأجنبي: بعض الأحزاب تتسلم أموالاً طائلة من دول أجنبية لتنفيذ أجنداتها في العراق، فذكر أن نفعت الذكرى.. ومتى يشرع قانون الأحزاب في العراق ؟.

14- ظاهرة الفضائيين: في الجيش والشرطة وبعض دوائر الدولة هناك ظاهرة الفضائيين: وهم المسجلون في قوائم الرواتب وقد يكونون حقيقيين أو وهميين لكن رواتبهم تذهب إلى جيوب المسئولين.

15- الاستحواذ على الأراضي الحكومية والشخصية من قبل مليشيات ومجموعات غامضة وبيعها إلى المتمكنين وخاصة ما يسمى المناطق التجارية الملائمة لتشييد المولات التجارية التي غزت محافظاتنا العراقية في الوقت الحاضر .

16 - بيع المناصـــب: المنصب الصغير والكبير في العراق يعني امتيازات مالية كبيرة، رواتب، مخصصات، مكافئات وايفادات، أجور حماية، عمولات عقود استثمار، لذلك يباع المنصب ويشترى في أسواق الفساد الإداري والمالي .

17 - التلاعب بالتصنيف النوعي للسلع المستوردة واحتساب الدرجات الدنيا على أنها درجات عليا وبسعرها المقرر، من اجل كسب أموال أضافية .

18- الفساد الأخلاقي: وهوملازم للفساد المالي، فترى سراق المال العام رجالاً ونساءً هم عادة ممن لا يهتمون كثيرا بتقاليد العفة والشرف، واغلبهم يتعاطون العلاقات غير المشروعة ويساومون النساء المتقدمات لطلب الوظائف على شرفهن وهناك من يرضخن بسبب الفقر والعوز .

19 - استغلال الفقراء: تعرض الكثير من الأرامل والمطلقات إلى الابتزاز والمضايقة والمساومة الشرفية عند مراجعة الدوائر المختصة.

20 - جيل الفاسدين: السارقون والسارقات طيلة عقود ينجبون جيلاً يوصف بأنه جيل لقمة الحرام ويكثر في أوساطه استعدادات الشذوذ والإمراض النفسية والإلحاد واستعدادات الانحراف المتعددة الإشكال.

21- التســـول: تحول التسول في العراق إلى عمل تقوم به شركات سرية توفر للشحاذين والشحاذات أماكن للاستجداء وأماكن للمبيت والطعام والنقل مقابل نسب محددة وتكون أسعار الشوارع والساحات والأسواق مختلفة حسب الازدحام .

والسؤال الذي يطرح نفسه دوماً ... من يرعى القطيع أذا كان الرقيب فاسداً؟

 

شاكر عبد موسى الساعدي/العراق/ ميسان

 

في المثقف اليوم