أقلام حرة

النفس أقوى من العقل!!

صادق السامرائيالنفس هي السلطان والعقل رهينتها الجبان، ولا يمكنه أن يكون سيدها في أي مكان وزمان، إلا ما ندر في مسيرة الإنسان، والأديان والدعوات الإصلاحية والأخلاقية موجهة للنفس وليست للعقل، لأنه مفعول به والنفس هي الفاعل المنان.

لا توجد سلطة للعقل ولا دور في حياة البشرية، إلا بما يقوم به من تسويغات وتبريرات وتعزيزات لسيدته النفس التي تأمره بتنفيذ ما تراه وتسعى إليه، وإن أخل برغباتها ونوازعها سترميه بألف حجارة وحجارة وتقضي على وجوده الفتان.

وما يجري في الواقع البشري تعبيرات عن إرادات النفوس، التي تساندها جيوش من العقول المسخرة لخدمتها على أحسن وجه، فتقدم لها الإبداعات والمخترعات ووسائل التعبير عما فيها، وتحقيق مراداتها بأقصر الطرق، ولا يعنيها وازع ولا رادع ما دامت النفس المفلوتة راضية ومتمتعة، ومتباهية وزاهية بما تستطيع القيام به والتمتع بجنيه.

فالنفس تمتلك قدرات هائلة على تنويم العقل وأسره وتجميده، ومنعه من القيام بما لا يتوافق ومنهجها وتطلعاتها الجهنمية، التي يجيد العقل تجميلها وتزيينها وإضفاء حلل باهية عليها، لكي تؤدي عملها بإعجاب وتبختر وتأييد من المغفلين الذين تفترسهم وهم يتضاحكون.

ولهذا فأن مخاطبة النفوس أسهل من مخاطبة العقول، ولذلك تلجأ وسائل الإعلام إلى هذا السلوك الإصطيادي التضليلي التوهيمي، الذي يأخذ الناس إلى حيث تريد النفوس الناطقة بوسائل الإعلام المؤدلجة، والمسيّرة وفقا لآليات الإفتراس الحضاري السعيد.

كما أن العديد من الرموز وأصحاب التأثير لا يخاطبون العقل، وإنما يتوجهون نحو النفس ويطوعونها لصالحهم، ولهذا تجد الآلاف من الناس تتبعهم وكأنها بلا رؤوس، ويمكنها تحريكهم بقوة وقدرة لا مثيل لها، لأن العقل مسلوب والتفكير محجوب، والسؤال محرّم وممنوع، وإن النفس هي الدليل والعنوان ومنبع الإيمان.

ووفقا لذلك فأن البشرية لاتتفاعل بأمن وسلام، وتجتاحها أعاصير وعواصف نفسية مدمرة هائلة التخريب، تطغى على وجودها لوقت، حتى يتحرك العقل ويتجرأ على الردع، لكنه يخنع ويستجبن ويذعن بعد حين، ولهذا تتكرر المآسي والويلات، وتدوم الآثام والخطايا والتفاعلات المتوحشة بين البشر في جميع المجتمعات والعصور.

وما إنتصرت قوة على إرادة النفس البشرية، وما تمكنت أقسى القوانين من القبض على عنقها، وإنما هي ذات قدرات مفلوتة تؤازرها النوازع التسويغية والتبريرية، التي تخادع بها ذاتها وموضوعها فتوهمها بأن لا حدود لها ولاقوة فوقها.

ومن هنا فأن الدور الأساسي لمواجهة الحالات المريرة في الواقع البشري يتطلب مشاركة المتخصصين في العلوم النفسية والباحثين في السلوك، أما الفلاسفة والمفكرين الذين يتوهمون بأن البشر يمكنه أن يُخاطب عقليا وحسب، فأنهم قد فشلوا في التوصل إلى حلول لأكثر المعضلات التي تتحدى الوجود البشري.

فهل من دراية بالنفس ومآلاتها السيئة؟!!

وهل من معالجات ذات قيمة عملية؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم