أقلام حرة

التبعية والقبَعية!!

صادق السامرائيقبَعَ في منزله: إنزوى فيه وتوارى عن الأنظار.

فالقبَعية هنا المقصود بها الإنزوائية (إنزوى: إعتزل).

يبدو من العبث الإمعان بالكلام والكتابة عن التبعية، فهذه من المصطلحات التي إخترعناها لنعزز شللنا الحضاري، ونديم تيبسنا وتحنطنا في أفران الأيام الصاخبة المتجددة الأنوار.

 فالمجتمعات البشرية متداخلة منذ الأزل، ودرجة التداخل تتناسب طرديا مع قدرات التواصل فيما بينها، فكلما تطور التواصل تعزز تشابهها، وتمازجت رؤاها وتصوراتها وآليات تفاعلها مع التحديات والتطورات.

أي أن الثقافات البشرية متشابكة ومؤثرة ببعضها، ففي كل مجتمع مهما كان شيئ من مجتمع أو مجتمعات أخرى، فعلى سبيل المثال لو فتشت عن ثقافة العرب والمسلمين ستجد ما يمت بصلة إليها في معظم مجتمعات الدنيا، ولو فتشت عن ثقافة أي مجتمع آخر لوجدت شيئا منها في مجتمعاتنا، وهكذا تمضي المسيرة البشرية.

وفي الزمن المعاصر ستنطبخ الثقافات في وعاء واحد، وسينجم عن ذلك ولادة ثقافة إنسانية واحدة، لها دورها المؤثر في حياة الناس أجمعين. 

ولهذا من العبث تكرار أو إستعمال مصطلح التبعية لتجريد مجتمع ما من دوره الحضاري المعاصر، ففي كل مجتمع شيئ من ثقافة عصره، لكن بعض المجتمعات تمتلك عيبا خطيرا هو الإذعان للمصطلحات التخديرية، فتتنازل عن دورها وتلغي عقلها بإرادتها، مما يدفعها إلى الإنزواء في حالات متخيلة أو متصورة لا وجود لها في الحاضر والمستقبل، وتتوهم بأنها موجودة في ماضيها، فتقبع فيه وتبتعد عن مفاعلة عقولها مع الحاضر، وتعجز عن إستحضار رؤية مستقبلية تؤهلها للإنطلاق الواثق المُجيد.

ففي مجتمعاتنا برغم حضور الثقافة المعاصرة وهيمنتها على الواقع المُعاش، لكن العقول في إجازة أو أنها معطلة وممنوعة من التواصل الإبداعي الخلاق مع هذه المعطيات، التي تؤهلها للعطاء الأصيل والمتميز.

ويبدو أن هناك الكثير من الخطوط الحمراء والحواجز النكداء التي تحيل بين البشر وتفعيل عقله، ويأتي في مقدمتها أجندات وتابوات المتاجرين بالدين والمستعبدين للناس والقابضين على وجودهم بأصفاد المحرمات والممنوعات، والخوف من العقاب والحرمان من الثواب.

ولكي تكون هذه المجتمعات وترتقي إلى جوهر ما فيها من الطاقات، عليها أن تتخلص من قيود الإستلاب العقلي والفكري، وتقتحم ميادين العصر بعقول حرة متفاعلة مع معطيات الثقافة العالمية المتنورة بالعلوم والتكنولوجيا الفائقة الإبتكار والنماء.

فلا توجد تبعية بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما هذه أساليب لتشديد القبضة على العقل وتأكيد مستلزمات الإعماء الحضاري، لكي يتمكن المتاجرون بمصير المجتمعات تحقيق أعظم الأرباح.

ولا بد للعقول الحرة أن تنطلق وتحطم بإرادتها المستنيرة جدران الإنزوائية، وصناديق القبعية، والإنهمادية  (هامد: بلا حراك)  في ظلمات الأجداث وأحابيل الضلال والبهتان المعشعش في رؤوس الأجيال المبتلاة بمن يجعل من النور نارا!!

فقل إن العقل ميدان نور!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم