أقلام حرة

"الإشَاعَةُ الكَاذِبَةُ" وثَقَافَةُ ذَرُّ الرَّمَادِ فِي العُيُونِ

علجية عيشالإشاعة تعني نقل أخبار كاذبة عن الآخر وتزييف الحقيقة وهي أداة من أدوات الحروب النفسية، تعتمد على المناورات، وتؤكد على وجود خلل في البنية الفكرية لأنها تغذي الرداءة، وتتطور الإشاعة بسرعة وتصبح حقيقة إن وجدت المناخ الملائم لزرع بذرتها، وفي غياب الوعي العميق الشامل والمنهجي تصبح فيروسا ينتشر في العقول المريضة، وإن كانت الإشاعة الكاذبة قد تغير الكثير من المواقف والقرارات، لكنها لا تسير في نهج "التغيير" الإيجابي الذي يطمح له الشعب في بناء مجتمع راق متحضر وحتى الأحزاب والتنظيمات والمجتمع المدني

   يرى خبراء سياسيون أن موقع أيّة دولة أو أيُّ شعب في العالم المتقدم، لا يحدده غير الخطاب الصريح، واللغة النضالية الصادقة التي من خلالها تستطيع الأحزاب السياسية مجابهة كل التحديات، فحرية التعبير في هذا المجال كغيرها من الحريات الأخرى تحتاج أحيانا إلى ضوابط وقيود، بسبب ما تتعرض له من سوء استعمالها وسوء التصرف بها، فلا يمكنها أن تتحول إلى فوضى تتبادل فيها عبارات السَبِّ والشّتْمِ والكلمات الجارحة في حق أناس، لمجرد وجود بينهما اختلاف في الرؤى والمفاهيم والإيديولوجيات، أو اختلاف في طرق وأساليب التعبير و التسيير، فكثيرا ما تكون الإشاعة الكاذبة ضد شخص ما مهما كانت صفته بمثابة الحريق الذي يأتي على الأخضر واليابس، وما تخلفه من مشاكل خطيرة ليست على الشخص وحده المراد ضرب مصداقيته أو تشويه صورته، وإنما على الجماعة كلها سواء كان حزب أو مجتمع، وقد تمرغ سمعتهما الاثنان في وحل الأرض، لأن المشوشين تجاوزوا الخطوط الحمراء بأخطائهم وضرب خصومهم، الأمر الذي جعل حزب جبهة التحرير الوطني كنموذج يكون موضع انتقادات الأحزاب الأخرى وحتى من الذين خرجوا من رحمه، وأصبحوا يطالبون بوضعه في المتحف.

 والحقيقة أن الصراع داخل الأفلان تحركه وتغذيه أيادي من داخل الحزب نفسه، ويريد أصحابه صب الزيت على النار وإشعال فتيل الفتنة، وهم يدركون أن هذه السلوكات ليست في صالح الحزب ولا في صالح الوطن، أمام التطور التكنولوجي الذي يحول في ثانية واحدة العنب زبيبا والكروم خمرا كما يقال، وخير دليل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل الحراك الشعبي الذي تشهده الساحة وخروج الشعب إلى الشارع في مسيرات، تستغل أطراف حاقدة هذا الوضع لكي تبتكر الإشاعات لتزرع بذور "القطيعة"، ما هو معروف أنه غالبا ما تأتي الإشاعة من أشخاص اعتادوا على التشويش والطعن في الآخر من الظهر، ويحاولون تغليط الرأي العام، ويستعملون مواقع التواصل الإجتماعي لترويجها، إدراكا منهم أن المجتمع يعيش أزمة فكرية وأخلاقية وما زال يطبع عليه العجز الفكري والتخلف الحضاري، لأنه يصدق كل ما يقال أو يسمعه، ويمكن القول أن " المُشَوِّشُونَ" في طبعهم لا يمكنهم العيش دون إثارة البلبلة ونشر الإشاعة الكاذبة وتسريبهم أخبار يتخذونها كلعبة سياسية أو ورقة ضغط على الآخر، في ظل الشرخ السياسي والنظامي الذي تعيشه الأحزاب السياسية في الجزائر، وإن كانت الإشاعة الكاذبة جريمة يعاقب عليها القانون، فهي تتطلب في بعض الأحيان جهدا فكريا، فالذين ينامون على الإشاعة الكاذبة ويستيقظون عليها يظنون أنهم قاموا بعمل بطولي يثنون عليه أو قد يدخلهم التاريخ.

  وإن كانت الإشاعة الكاذبة قد تغير الكثير من المواقف والقرارات، لكنها لا تسير في نهج "التغيير" الإيجابي الذي يطمح له الشعب أو المناضلين في الأحزاب والتنظيمات والمجتمع المدني، في بناء مجتمع راق متحضر، ولهذا يمكن القول أن الذين يصدرون الإشاعات الكاذبة أغبياء بامتياز، حتى لا نقول مجرمون، لأنهم يحملون معها الكثير من المآسي الاجتماعية والسياسية، ونتائجها لا تعود على الشخص فقط وإنما تلحق الضرر بالدولة وتلحق العار بتاريخها وسيادتها، وهم بذلك يعانون من "أنيميا" فكرية، بل فقراء فكريا، وهذا الفقر كما قال فيه الشيخ الغزالي أسوأ عقبى من الفقر المالي، و"الشعب الذي يعاني من الغباء والتخلف لا يستطيع حمل رسالة كبيرة "، فكم من إشاعة تحولت الى قضية أمام المحاكم وحوكم من ابتلع سمومها ومخترعوها يتفرجون، وعلاج الإشاعة لا يحتاج الى دراسات سوسيونفسية أو اجتماعية وإنما يحتاج الى انقلاب فكري، طالما مخترع الإشاعة الكاذبة يطبق مقولة: "أنا وبعدي الطوفان".

هذه رسالتي للذين يعانون من "أنيميا" فكرية

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم