أقلام حرة

المصانع المتوقفة وجيوش العاطلين

شاكر الساعديبعد تخرجي من معهد الإدارة / بغداد عام1975، أنهيت شهرين من التدريب في مدرسة قتال الفرقة المدرعة السادسة في ناحية جلولاء التابعة لمحافظة ديالى كخدمة إلزامية، بعدها جرى انتدابي إلى وزارة الصناعة والمعادن الواقعة في الباب الشرقي آنذاك آذ تم تنسيبي إلى المؤسسة العامة للصناعات الإنشائية الكائنة في شارع السعدون والتي بدورها قامت بتنسيبي إلى الشركة العامة للصناعات الإنشائية والبلاستيكية في منطقة سعيدة / الزعفرانية.

ملخص الكلام : في أحد الأيام جاء موظف كبير من وزارة الزراعة والري ليشتري أنابيب مجاري لبيته الجديد من معمل البلاستك، وحينما وقعت عيناه على أنتاج المعمل من أنابيب البزل البلاستيكية المموجة والمصنعة من مادة البولي فينل كلورايد ( PVC) أندهش من أنتاجنا الوطني واستغرب الأمر،لان وزارته كانت تستورد تلك الأنابيب من الجارة تركيا التي بدورها تصدر لنا بعض المواد الأولية الداخلة في صناعة تلك الأنابيب، عندها طلب منا تنظيم كتاب فوري إلى وزارة الزراعة والري وإعطاء نسخة منه إلى أحد مسئولي الدولة آنذاك من أجل التسريع في التنفيذ، وبعد مرور أقل من أسبوع من وصول كتابنا إلى وزارة الزراعة والري جاء ممثل منهم وتعاقد مع الشركة ولم يبق أنبوب واحد في العراء.

الصناعة العراقية الآن

واليوم تعاني الصناعة العراقية بعد عام 2003 واقعاً متردياً في جميع مفاصله وشلل شبه تام لجميع المنشآت الصناعية والمصانع الكبيرة والمعامل الصغيرة للقطاعين الحكومي والخاص، بعد أن كانت صناعتنا الوطنية مزدهرة ومتطورة ومواكبة بقدر مقبول لآخر التطورات التكنولوجية،على الرغم من الحصار الاقتصادي الذي تم فُرض على العراق ولسنوات طويلة والحروب المدّمرة التي خاضها العراق لعقود نتيجة الممارسات الخاطئة للنظام السابق والتي تركت آثار مدمّرة على الاقتصاد العراقي،ولكن مع كل هذه الظروف وغيرها والتي مرّت على العراق كانت عجلة الصناعة العراقية تدور وآلات مصانع القطاع الحكومي والخاص تعمل وتنتج السلع والبضائع التي تحمل جودة كبيرة وضمن المواصفات التي وضعت من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.

فماذا حدث للصناعة العراقية ؟ ولماذا أصبحت من القطاعات المستهلكة ؟ ولماذا أصبحت عالة على الاقتصاد العراقي وعلى الميزانية بعد أن كانت إيراداتها تمثل 14% من الناتج القومي؟ولماذا أصبح الآلاف من منتسبيها يتلقون رواتبهم من وزارة المالية وعلى شكل قروض تحتسب على وزارة الصناعة بعد ما كنت وزارة الصناعة تكتفي ذاتياً وتساهم برفد الميزانية العامة بإيرادات كبيرة؟

ثورة الجياع

كذلك يجري الحديث في العراق الآن عن «ثورة جياع». وهو حديث جاد وصادق، أثبتته تظاهرات محافظة البصرة كأكبر مدينة عراقية منتجة للنفط، فافتقاد الكثير من العراقيين لفرص العمل، أمرٌ اعترفت به الحكومات العراقية بحيث أنها إما تقوم بدعم البطاقة التموينية المعمول بها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي كجرعات منعشة، أو توزع مبالغ نقدية بائسة لغير المُقتدرين ضمن شبكات الرعاية الاجتماعية.

الزراعة والإنتاج الزراعي

وهنا نتوقف عند الزراعة والإنتاج الزراعي والغذائي بما فيه الثروة الحيوانية. وعند القراءة الموضوعية لتجربة دولة مجاورة للعراق حققت الاكتفاء الذاتي لأغلب الحاجيات الغذائية وفي ظرف صعب جداً يتمثل في حصار مُشدّد جائر، وهي تجربة « إيران ».

فبعد مرور أربعة وعشرون عاماً من الحصار الذي فُرض عليها، تمكّنت إيران من مُضاعفة إنتاجها للغذاء لثلاثة أضعاف ما كان عليه، وأعلنت أنها مُستمرة في ذلك، والأرجح أن تكون الآن في حالة شبه اكتفاء ذاتي، وهناك فارق كبير بين العراق وإيران (إضافة لبديهية أن العراق ليس مُحاصراً) وإيران محاصرة منذ عام 1995حتى ألان، وتعرضها مؤخراً إلى موجة أمطار وسيول أدت إلى خسائر كبيرة، ربيع لم يحدث في إيران مثل هذا الربيع الوفير بالمياه منذ 20عاماً الإمطار لم تتوقف على محافظة لرستان منذ 10أيام .

ولا يخفى على الجميع أن غالبية الأرض العراقية هي أرض زراعية جاهزة، إضافة إلى أن جزءاً كبيراً من صحرائه قابلة للاستصلاح زراعياً. بل ويتمتع العراق بأربعة مواقع جغرافية بأجواء مُختلفة تتيح إنتاج محاصيل متفاوتة في زمن نضجها، هي السهل الرسوبي والهضبة الصحراوية والمنطقة المتموجة والمناطق الجبلية في ارض كردستان شبه المستقل عن العراق .

 

شاكر عبد موسى الساعدي/ العراق / ميسان

 

في المثقف اليوم