أقلام حرة

الشِعر آفة الأمة!!

صادق السامرائيالأمة يقتلها الشعر السائد في أرجائها وأجيالها، ويزيدها بؤسا ويأسا وغرقا بالدموع، وإحتراقا بالأنين وإنسجارا بالوجيع، ويشجعها على إستلطاف الفظيع من الويلات والإنتكاسات، ويسوّغ لها حياة القطيع.

الشعر في وعينا الجمعي ولا وعينا المنحرف مشاعر وحسب، ولا يجوز للعقل أن يكون فاعلا فيه، فالشعر العاقل ممنوع، والقصيدة المفكرة حرام، ولا بد من أجيج عواطف وإنفعالات تصطلي بها الكلمات لكي تسمى شعرا يسكر به البشر الحيران، فالشعر والخمر سيّان.

الشعر الذي كتبناه لحواء أكثر من جميع أمم الأرض، فكان الغزل بغيتنا، والرثاء ديدننا، وذرف الدموع غايتنا، والعجز والتبعية والإستسلام منهجنا، والتبرك بالكراسي عادتنا الشعرية التي أخجلت المديح والتبجيل، حتى صار الشعراء متسولين على أبواب الحكام والسلاطين، ولا يزالون من المبوقين لكل قوي هصور.

وتوَهَمنا الحداثة فاستوردنا أشعار غيرنا، وحسبنا أننا نكتب على شاكلتهم، وهم الأصلاء ونحن اللقطاء، ففحوى كتاباتهم غير ما تحبل به كتاباتنا التي نلصق بها صفة الشعر، فجديدنا كأي مستورد من بلدان الإبداع والإختراع، ونحن المستهلكون المفرّطون بكل ما فينا وعندنا من الطاقات، والممعنون بالهروبية النكداء، ووجدنا في الشعر الإنفعالي أبراجا عاجية نتبختر فيها كما نشاء.

 هذا الشعر أفيون الأمة، وداؤها المزمن العضال، الذي ينمّي غفلتها، ويطعم تبعيتها، ويسقي أميتها، ويساهم بشل عقلها، وتدمير حاضرها ومستقبلها.

سيغضبُ مَن يغضب ، لأن الشعر ديوان العرب، وإنجازها الأعظم وخندقها الأقوم وفيه جواهر الأرب،  لكنها الحقيقة المرة التي لا نريد أن نواجهها ونعترف بها، شأننا في غيرها من الحالات التي تنخر جوهر وجودنا وتفتك بمصيرنا، فنجد ما يبعدنا عنها من التصورات الفنتازية والأوهام المحلقة في فضاءات الخيال، المرهون بأهواء النفس المأسورة بالبهتان والأفون والنرجس الفتان.

فالشعر نشاط إبداعي رافق البشرية منذ الأزل، وبألوان وإيقاعات متوافقة مع مكانها وزمانها وما تعكسه البيئة في دنيا البشر، وكان مرحلة مهمة في تجسيد وعيها وإعلاء مداركها وإنتقالها إلى تصور الكون وغياهب الوجود، ولا يخلو زمن من الشعر والشعراء وبأي اللغات، لكن الذي يحوّل الشعر إلى آفة وقوة مدمرة للمجتمعات، هو الموضوعات التي يتناولها، والآليات التي يقترب بها من المواقف والأحداث، والنمطيات المتكررة الكامنة فيه.

ومن المفروض أن يكون وسيلة لتحفيز الطاقات والتنوير وشحذ الهمم، وتوضيح المنطلقات السلوكية الكفيلة بالتعبير عن القوة والثقة بصناعة المستقبل الأفضل والأقدر، وليس لتعزيز الويلات وتنمية التداعيات، والترنم بالرثائيات، وقتل الأمل وروح الحياة، والإمعان في الباليات وتأجيج الحسرات، وتبرئة الجميع من المسؤوليات.

والشعر العربي يميل في موضوعاته إلى الحزن الراسخ واليأس الدامغ، والبكائيات والندب والقول بالقنوط وعدم التصدي بشجاعة وجرأة، وفيه أساليب هروبية ومخادعة وإنغماس بالرمزية الغثيثة والتأسن في الغابرات، وعدم القدرة على رسم خارطة مستقبل سعيد برغم التحديات.

أي أنه يساهم بسلبية عارمة في إضعاف همة الأمة وخوار عزيمتها وضمور إرادتها، وأصبح في معظمه مداهنا ومبوّقا لإرادة الكراسي، وما تمكن من التعبير عن طموحات الشعب وتأهيله للخروج من صناديق التضليل والدجل والمتاجرة بالبشر بإسم رب البشر.

فأين شعر اليوم من قصيدة إرادة الحياة التي مطلعها " إذا الشعب يوما أراد الحياة...فلا بد أن يستجيب القدر"؟

أين قصائد بناء الهمة وبعث الروح في الأمل والتفاؤل، والإيمان بالصيرورة الإنسانية والإمساك بناصية نكون؟!

أين القصائد المخاطبة للعقل والمنورة للفكر والداعية إلى عزة وكرامة وقيمة الإنسان وحقه في الحياة؟

فالشعر آفة الأمة لأنه يعبّد لها طرقات الرحيل إلى حُفَر الضياع والنسيان، وهو محنتها التي عجزت عن تجاوزها إلى آفاق فكرية تنويرية معاصرة، فهل من شعر يواكب الزمان، ويعلن أن صوت العقل من الإيمان؟!!

وهل لا يزال مطلع معلقة إمرؤ القيس يلخص ما نبوح به في أشعارنا، وكأننا ندور في دوامة

" قِفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومَنزلِ...بسَقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْمَلِ"؟؟!!

فقولوا ما شئتم، فتلك حقيقة واقع متكلس في رؤوسنا، ولهذا فأن الأقلام قاصرة عن تنظيف العقول من صدأ الأزمان!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم