أقلام حرة

الإدمان الالكتروني.. مرض العصر

شاكر الساعديبعد تحسن المستوى المعيشي للمواطنين، وخلال العشرة سنوات الأخيرة زاد عدد الحواسب اللوحية والأجهزة النقالة الذكية المستخدمة في عموم العراق ثلاث مرات عما كانت عليه سابقاً، ومن المتوقع أن تتخطى مبيعات الأجهزة اللوحية مبيعات الحواسب المحمولة خلال الأعوام القادمة، بينما حذر مبتكر الشبكة العنكبوتية العالمية البريطاني الأصل... (Tim Burners- Lee) من مدينة دافوس (السويسرية) من ميول الحكومات في التحكم بشبكة الانترنت ومواقعه الاجتماعية (الفيسبوك وتوتير....الخ) وما تقوم به من تواصل اجتماعي ومعرفي بين الشعوب بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وثقافاتهم،حتى داخل البلد الواحد يستطيع المتواصلون إبداء أفكارهم وأرائهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية بكل حرية دون قيد أو شرط، بعد انفتاح الثقافة العراقية على مصادر متنوعة وتحررها من دكتاتورية الفكر الواحد عندما كان الوطن ثكنة عسكرية تسورها أناشيد الحروب والحصار الاقتصادي والثقافي،وقتها لا فرق بين غرفة البيت وغرفة السجن إلا في النوافذ، بعد التغيير برز ميل اجتماعي وثقافي واضح للدخول في العصر الحديث واستلهام الأفكار والمفاهيم العصرية والتفاعل مع منتجات الحضارة الحديثة،فظهر على الساحة العراقية الثقافية جيلان جيل قديم محافظ معروف ثقافياً وأخر جديد غير معروف مقترن عمله بأهداف سياسية ودينية معينة،وجد ضالته المنشودة من خلال نشر أفكاره في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والجماعات الأدبية والثقافية داخل تلك المواقع وبات المبدع يخوض كل يوم تجربة جديدة بغية الترويج لإبداعه ونتاجه الفكري.ليطل من خلاله على عالم متحرر خال من الجدران والموانع الفكرية.عندما شهدت الهواتف الذكية خاصة نوع (i. phone)إقبالا واسعاً من قبل الموظفين وعموم المواطنين، بينما تهاوت أسعار أجهزة الكمبيوتر الأثقل وزنا والأكبر حجما أمامها لأنها تقدم خدمات متعددة كالانترنت والمحادثة المصورة وخدمات الاتصال الدولي السريع وخزن ونقل الملفات مع سهولة حملها ونقلها من مكان لأخر عند السفر،كما يمكن استخدامها من قبل الدوائر الحكومية لانجاز معاملات المواطنين بدقائق معدودة بدلا من أشهر عدة.

وحينما أجدت استخدام الحاسوب المحمول (اللآبتوب) ودخلت عالم الانترنت وخفاياه كنت أتوقع أن أتنازل عن ثقافتي السبعينية وأدخل عالم العولمة من أوسع أبوابه وأرتقي مراحل فكرية وثقافية متقدمة بعيداً عن الصحف والمجلات والكتب المطبوعة ورقياً، بعد أن بات عدد ومستخدمي موقع فيسببوك يتخطى عدد قراء الصحف في العالم العربي اليوم،إلا أني اكتشفت أن الأغلبية اللاهية بمواقع التواصل الاجتماعي هم مجرد أغبياء، كل ما يفعلونه هو تبادل النكات وصور النساء والمطربات والمذيعات وعقد الصداقات الوهمية عن بعد، ناهيك عن المكالمات المرئية بمختلف وسائط العرض التي وفرتها محركات البحث (غوغل، ياهو، بينج)، لقد جمد الفيسبوك دماغي وأبعدني عن القراءة وكتابة الموضوعات الثقافية وشراء الكتب القديمة من شارع المتنبي وسط بغداد.

لكن من خلال تواصلي مع الجميع عن طريق (الفيسبوك)، وجدت أن أغلب المشتركين من غير المعروفين في الوسط الاجتماعي والثقافي يحاولون طرح أفكارهم السياسية والمذهبية بأسلوب عدواني فظ يشوبه غموض وتعصب ديني أحياناً وطائفي أحيان أخرى،ومن الذين يواجهون الفكر المضاد بفكر مقابل بعيداً عن الفكر الإيماني والإقناع والتوضيح والحوار ألشامل من قبل أشخاص ومجموعات منبوذة لا علاقة لها بالعقائد والأديان وإنما تتغطى بغطاء الدين ليس غير، وخاصة لدى الكثير من النسوة العراقيات والمصريات من ذوات الفكر الديني المتعصب .وتتحمل تلك المهمة التصحيحية الكثير من مؤسسات المجتمع المدني ورجال الدين والجهاز التربوي والمؤسسات الثقافية والإعلامية، بعدما أكدت الأديان السماوية جميعها قيم التسامح والسلام وثقافة تقبل الأخر.

إلا أن هذا الموقع الاجتماعي لا يخلو من المتعة الشخصية عندما تتصل بك امرأة من دارفور السودانية لتقول لك بأنها ترغب الزواج منك بشرط مساعدتها على تحرير مبلغ مليوني دولار في حساب والدها المتوفى مجمد لدى إحدى البنوك العالمية، أو امرأة تغير صورتها بين فترة وأخرى خافية ملامحها الحقيقة التي قد لا تسر الناضرين، أو فتاة تقول أنها مصرية مولودة بالمغرب وتعيش في فرنسا والذكي من يحل هذا اللغز المحير.

والكثير من الشباب يردون على كتابات النساء وان كانت عديمة اللون والطعم والرائحة، أي الأغلبية تلهث وراء النساء وان كانت كتابتهن من فضه و يأهملوا الرجال وان كانت كتاباتهم من ذهب، لذلك تقمص الكثير من الرجال أسماء النساء لغاية في نفس يعقوب، فأصبح الفيسبوك وسيلة للكذب على الآخرين وخداعهم بكلمات معسولة يطلقها رجل تحت مسمى امرأة، وأحياناً امرأة تحت مسمى رجل خوفاً من التحرش الجنسي.

مع وجود تدني في مستوى اللغة العربية وجهل في الثقافة العامة وإحباط واضح للمستخدمين الآخرين بعد أن حوله البعض وسيلة للسب والشتم والاعتداء على الحريات العامة من قبل ناشرين أو محررين مجهولين يهاجمون الحكومة الاتحادية بأسلوب سياسي وطائفي مقيت كلما حدثت أزمة سياسية في البلد، على الرغم من أن البعض منهم يعيش في دول محترمة، ولم تمسسه نيران الحروب السابقة، يسكنون دبي أو لندن أو في سدني عاصمة أستراليا، التي أحلم أنا بمشاهدة شواطئها ومعلميها الأساسيين، جسر هاربر ودار الأوبرا.

وقد أثير جدل كبير حول استخدامه في الأعوام الماضية، فقد حٌضر استخدامه في سوريا وإيران، كما حضر استخدامه في مواقع العمل المختلفة لانشغال الموظفين فيه، كذلك رفض الفاتيكان دعوة من موقع – فيس بوك – وجهها للبابا فرانسيس من اجل الانضمام إلى اكبر شبكة للتواصل الاجتماعي في العالم ويعود ذلك الرفض إلى التعليقات المسيئة التي تحصل فيه، كما تعرض بعض مستخدميه لدعاوي قضائية لاختراق البعض الخصوصية الشخصية،وحالياً يستخدمه أكثر من مليار شخص في العالم بمختلف الشعوب واللغات،واللغة الانكليزية هي اللغة الأساسية المستخدمة و(96) لغة أخرى بما فيها اللغة العربية.

بينما كشفت دراسة أمريكية حديثة إن مواقع التعارف وشبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت باتت بيئة مثالية للتعارف والزواج فأكثر من ثلث الزيجات في أمريكا بدأت عن طريق شبكات تعارف على الانترنت وأكدت أن هؤلاء الأزواج اسعد بكثير من غيرهم ممن تعرفوا على بعضهم بالطرق التقليدية المختلفة .

وأخيرا أقول أن الفيسبوك هذا الموقع الاجتماعي على الرغم من بعض سلبياته المفتعلة من بعض الناس فيه فوائد كثيرة، أهمها تبادل الأفكار والمعلومات الاجتماعية والثقافية ومن خلاله يتواصل الناس بمختلف انتمائهم الفكرية والدينية والسياسية والعرقية، والحديث بعضهم مع بعض دون قيود ومحرمات تفرضها الحكومات عليهم كذلك هو وسيلة للتعارف بين الشباب والتواصل من أجل الزواج والصداقة الدائمة.عندما وصل عدد العرب المسجلين في الموقع المذكور ما يزيد عن(20) مليون شخص .

وفي ظل ما توصلت إليه التكنولوجيا أصبحت الصفحات الإلكترونية متداولة لدي الجميع وأصبحت تثير انتباه الأطفال والمراهقين بشكل كبير مما تقدمة من وسائل لعب وترفيه ومشاركات وتصفح وغيرها، في الفترة الأخيرة انتشرت بعض من الألعاب التي تتسم بالعنف والتي بمثابة خطر مفزع لدى الأطفال والمراهقين مثل (لعبة الحوت الأزرق – لعبة بوبجي) ويعتبر الأطفال والمراهقين أكثر الفئات استخداماً لها مما يجعلهم يصابوا بالإدمان بها ونجد الكثير من المشاكل التي تواجه الأهل لمحاربة هذه الظاهرة، ومن الأسباب التي تؤدي إلى هذا الإدمان الإلكتروني أيضا هو إهمال ذويهم لهم وعدم خلق وسائل تسلية أخرى وعدم إعطاءهم الوقت المطلوب للاهتمام بهم يُّعد من الأسباب التي تجعل الأطفال والمراهقين يتوجهون إلى هذا الإدمان الإلكتروني الذي أصبح سلاح ذو حدين .

 

شاكر عبد موسى الساعدي/ العراق/ ميسان

 

 

في المثقف اليوم