أقلام حرة

الهوية الغائبة والتطرف المستقيد!!

صادق السامرائيالبشرية تواجه معضلة تطرفية متفاقمة وتحاول أن تجد لها حلا، ويجتهد المفكرون والفلاسفة في دراستها وفهمها ومواجهتها.

فالبعض يرى أن لا بد من إصلاح الخطاب الديني، والآخر يجد أن العلمانية هي الحل، وغيرهم يرى أن يضرب بقبضة من حديد، وآخرون يسطرون قائمة طويلة من الأسباب والحلول، وجميعها ما أفلحت بالتصدي الحقيقي للتطرف بأنواعه، وإنما تزايد وتعقد وتنامت نشاطاته وكثرت مواجهاته الدامية التي أقلقت البشرية.

وفي القرن العشرين عاشت العديد من المجتمعات حالات تطرفية مرعبة، وفي المجتمع العربي أول بوادر التطرف برزت في زمن عثمان بن عفان، وبلغت ذروتها في معركة صفين، عندما إنطلقت حركة الخوارج.

 وعندما نتأمل التطرف كسلوك في جميع المجتمعات، نكتشف أن هناك علاقة ثابتة ما بينه وبين فقدان الهوية.

 فحركة الخوارج كانت وليدة إضطراب وضبابية الهوية الدينية، إذا كيف يتم فهم قتال المسلم للمسلم، وكيف يمكن إستيعاب التقاتل ما بين صحابة النبي الكريم؟

هذا التفاعل أدى إلى تشويش هوياتي أوجد تطرفا واضحا عند المسلمين، وحينما ندرس الحركات المتطرفة بأنواعها سنجد هذا التلازم القوي ما بين حالة فقدان أو زعزعة الهوية والميل للتطرف.

فالمسلمون - على سبيل المثال - عبّروا عن ذروة التطرف في القرن الثالث عشر بعد سقوط بغداد، وشعورهم بمحق هويتهم المتصلة بالعروبة والإسلام، مما أوجد فقهاء متشددين وفتاوى صارمة، وحركات في غاية الشدة والتطرف.

وتكررت الحالة  في العديد من القرون، وفي القرن العشرين بعد سقوط الدولة العثمانية، فنشأت الحركات والأحزاب الدينية المتطرفة.

وفي العراق المعاصر عندما غابت الهوية الوطنية الجامعة، إندلع التطرف والتشدد ودخلت البلاد في أنفاق مظلمة سُفكت فيها دماء الأبرياء، ولا يزال التطرف قائما لأن الهوية الوطنية مميعة.

وما يحصل في الدول الغربية من ولادات للتطرف مبعثه الخوف على الهوية الوطنية، أو الشعور بأنها مهددة بسبب الزخم العرمرم من المهاجرين.

وعليه فأن من المعالجات الصائبة للتطرف العودة إلى تعزيز الهوية الوطنية، وتعميق الشعور بالإنتماء الوطني والمصالح المواطنية المشتركة.

فلن تفلح الطروحات الفلسفية والمعالجات الفكرية لوحدها، إن لم يرافقها بناء قويم للهوية الوطنية، وتجسيد روح الإنتماء الوطني بسلوكيات ذات قيمة معرفية وحضارية واضحة.

فهل من إهتمام بالهوية الوطنية لكي تنكمش الحركات التطرفية وتذبل وتغيب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم