أقلام حرة

قراءة أولية في نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية

شاكر فريد حسنأظهرت النتائج شبه النهائية لانتخابات الكنيست الـ 21التي جرت أمس الثلاثاء، وتخطت نسبة ال69 بالمئة، على تعادل في عدد المقاعد البرلمانية بين حزبي الليكود بزعامة نتنياهو وأزرق أبيض بقيادة غانتس . وهذا في الواقع انجاز كبير لحزب أزرق أبيض الجديد، المكون من جنرالات وشخصيات سياسية وعسكرية، الذي استطاع حصد 35 مقعدًا، وادخال أول امرأة درزية إلى الكنيست . وفي المقابل هو فوز ونصر كبير لبنيامين نتنياهو شخصيًا أولًا، ولحزبه ثانيًا . فقد تمكن نتنياهو من النجاح وتقوية حزبه وزيادة مقاعده، بالرغم من التهم الموجهة له وملفات الفساد التي تحوم حوله وقرار المستشار القضائي بتقديمه للمحاكمة . ويعتبر ذلك انتصارًا جديدًا لحزب الليكود، ونجاحه في فرض أجندته السياسية والانتخابية في الشارع الاسرائيلي، وهو الآن المرشح للبدء في عملية تشكيل الحكومة القادمة مع الاحزاب الدينية واليمينية المتطرفة، وسيعمل على سن قوانين جديدة لحماية نفسه وعائلته .

في حين أن حزب العمل مني بهزيمة بل نكسة كبرى وتعرض لضربة قوية بحصوله على 6 مقاعد فقط، وهذا مؤشر واضح على سقوطه وانهياره وفي طريقه للاختفاء عن الحلبة السياسية اذا لم يجرِ حسابًا للذات، ويعمل على ترميم بيته، والقيام بثورة داخلية، والنهوض من جديد .

اما حزب " ميرتس " اليساري، الذي اختار مرشحيين عربيين في الخماسية الاولى فقد حافظ على قوته وحصل على 4 مقاعد، واحتفظ العربي ابن كفر قاسم عيساوي فريج بمقعده . فيما مني حزب " بينيت " اليميني بهزيمة ولم ينجح بعبور نسبة الحسم .

وبالنسبة للأحزاب العربية فقد تقلص تمثيلها من 13 مقعدًا إلى 10 مقاعد، حيث حصلت قائمة الجبهة واحمد الطيبي على 6 مقاعد، والتجمع والاسلامية الجنوبية على 4 مقاعد . وهذه النتيجة تؤكد وتثبت أن الاستطلاعات التي سبقت تشكيل القوائم وغداة تقديمها للجنة الانتخابات المركزية، بحصول احمد الطيبي ما بين 7- 8 مقاعد، لم تكن سوى استطلاعات وهمية مدفوعة الاجر، وللابتزاز لا أقل ولا أكثر، إذ ان القائمتين معًا حصلتا على 6 مقاعد بطلوع الروح كما يقال .

وفي الواقع أن القوائم العربية اجتازتا نسبة الحسم ومرحلة الخطر بفعل زيادة نسبة التصويت في الساعات الأخيرة، بفعل نداءات الاستغاثة والتوسل و" الطنب " من قبل القيادات الحزبية والنشطاء السياسيين، والتوجه إلى الناس عبر مكبرات الصوت في الشوارع والمساجد للخروج إلى صناديق الاقتراع للتصويت، وهي المرة الاولى التي يحدث فيها مثل هذا الامر . وقد لاحظنا كيف عاشت هذه الأحزاب حالة من الذعر والهلع والتوتر طوال ساعات النهار، بأن تكون الكنيست خالية من النواب العرب .

وقد أبرزت هذه النتائج قوة كل قائمة من هذه القوائم، ولعل ذلك يكون عبرة للمستقبل وعدم المزايدات والتبجح بالقوة الانتخابية .

وباعتقادي المتواضع أن امتناع الكثيرين عن التصويت وازدياد دعوات الامتناع والمقاطعة، هو نتيجة الغضب الشعبي وخيبة الامل الكبيرة من أداء هذه الأحزاب، ونتيجة شق وتفكيك المشتركة، ما ادى بالتالي إلى خسارة 3 مقاعد وربما أكثر نتيجة زيادة عدد المصوتين الجدد، ولو حافظت هذه الاحزاب على المشتركة، ولكن الايغو العالي هو الذي أدى إلى هذه الخسارة في التمثيل، التي يتحمل المسؤولية عنها قيادات هذه الاحزاب وفي مقدمتهم احمد الطيبي المسؤول الأول عن شق المشتركة .

وما من شك أن هذا الامتناع عن التصويت هو رسالة واضحة لهذه الاحزاب العاملة في الشارع العربي، كي تقوم بمكاشفة حقيقية ومراجعة نقدية ذاتية لأدائها، ومحاسبة نفسها عن هذا التراجع في التمثيل العربي بالكنيست، واستخلاص العبر والنتائج، والاعتراف بالخطأ عن هذا الفشل والاخفاق الكبير، ولما جرى وحدث من هدم للمشتركة، ومناكفات ومهاترات حزبية، وزواج غير طبيعي وغير شرعي بينها، للحفاظ على مقاعدها ووجودها في الكنيست، وكذلك دعوة وتوجه للارتقاء بالخطاب السياسي والانتخابي، ووضع برامج وخطط عمل مستقبلية، وهو ما افتقدناه خلال الحملة الانتخابية، والتوقف عن التهجمات، والتخلص من لغة التخوين وتوزيع شهادات الشرف، ومن خطاب الترهيب من اليمين الفاشي . فالكل يدرك تمامًا ان سياسة التمييز والقهر القومي والقوانين العنصرية التي تستهدف جماهيرنا العربية، ليست جديدة، فهي منذ قيام الدولة العبرية، وهو نهج متواصل لكل حكومات اسرائيل المتعاقبة. والمؤسسة الصهيونية تعلم قبل غيرها، أنه لا يمكن لأي قوة أن تقتلعنا من ارضنا ووطننا، مهما علا صراخ ابواق اليمين العنصري الفاشي، فهذا وطننا ونحن هنا باقون كالصبار والسريس والزيتون .

ومن نافلة القول، أن شعبنا أثبت أنه عاطفي جدًا، وينسى بسرعة، وأن القيادات لم تتجرأ بالاعتراف أنها اخطأت بحقه، ولم نسمع منها بعد صدور النتائج، سوى كلمات التقدير لهذا الشعب الطيب، الذي خذلته بالتشرذم وشق وتفكيك المشتركة، وعلى هذه القيادات أن تخاطب في المستقبل عقل هذا الشعب، وليس قلبه .

 

بقلم : شاكر فريد حسن

 

في المثقف اليوم