أقلام حرة

الحزبية المقيتة

شاكر الساعديمنتصف سبعينات القرن العشرين حينما كنت طالباً في معهد الإدارة / بغداد والذي كان يسمى معهد السكرتارية العالي قبل ذلك، جاءنا مدرس أسمه الأستاذ (سعود الكبيسي) رجل كبير في العمر يحمل شهادة الماجستير في الإدارة حاصل عليها من جامعة بغداد، قام هذا الأستاذ الطاعن في السن بتدريسنا مادة المشتريات الخارجية والداخلية، وقد ذكر في أحد كتاباته بأن من أسباب تخلفنا (الحزبية المقيتة) وبعد مرور أسبوع من توزيعه ملازم الدرس علينا، أستدعي من قبل رئاسة الجمهورية للاستفسار عن هذه العبارات التي لا يسمح بها الحزب القائد، وكنا نعتقد أنه ذهب في دهاليز الأمن العامة المظلمة وقائدها المتعفرن أبو حرب (ناظم كزار العيساوي)، لكنه عاد ألينا سالماً غانماً وهو مبتسم.. سألناه عما جرى وصار فأجاب: بأنه تعرض إلى استفسارات من قبل لجنة تحقيقيه فكان جوابه: بأنه ينتقد الحزبية المقيتة ولم يقل الحزبية مقيتة أي هناك حزبية مقيتة وحزبية غير مقيتة، وبذلك تخلص من فم الأفعى.

من المؤكد أن أخطر سلوك في المجتمع العراقي السابق والحاضر هو الحزبية المقيتة، كما عاشها العراق زمن البعث (1968 – 2003) التي قلدتها الأحزاب الحاكمة، الحالية،بعد التغيير في نيسان 2003، والتي تعني النزعة المرضية الأحادية التي تسعى إلى صب جميع الأشخاص المختلفين أو الأفكار المختلفة في قالب واحد معد سلفاً لكي تتناسب قسراً مع خطة ذهنية وفكرية واحده.

كما يلاحظ أيضاً أن (الحزبية المقيتة) اليوم ُتوجد في كافة مجالات الحياة، فهناك رجال دين و مهنيون و زعماء و رؤساء كتل يحملون أفكاراً خفية ويقومون بإقصاء الناس المعارضين لهم من الوظائف والمناصب الحكومية،بحيث أصبحت تلك المناصب الصغيرة والكبيرة توزع وتباع وتشترى من قبل بعض الأحزاب والكتل السياسية والحركات الدينية المتنفذه في المحافظات لا سيما المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يؤدي في جميع الأحوال إلى مصادرة حق الحرية أو مصادرة حق الحياة ونشر ثقافة الكراهية والانتقام . وفي هذا الاتجاه تعد الحزبية السلبية أو كما أسماها أستاذي الكبير (سعود الكبيسي) قبل ستة وأربعين عاماً – الحزبية المقيتة – احد العوامل التي تسهم في تقوية ثقافة التجزئة والنزعة الفئوية والجهوية كما تضعف ثقافة المواطنة والولاء العام للوطن بوصفها إحدى الهويات الفرعية التي ترسّخ خندقة المجتمع وتفتّته وهذا ما عملت الديكتاتوريات المتعاقبة على ترسيخه في إطار إضعاف المجتمع العراقي للسيطرة عليه وإضفاء شبح التخلف المجتمعي والنزعات البعيدة عن حركة التقدم، كما تعد الحزبية المقيتة إحدى نقائض العقد الاجتماعي الذي بموجبه تفعل مبادئ الوحدة الوطنية وأسس التوجه نحو بناء مجتمعي مؤسس على الديمقراطية والحداثة .

 

شاكر عبد موسى الساعدي/ العراق/ ميسان

 

في المثقف اليوم