أقلام حرة

المعرفة بين الإنتاج والإستيراد!!

صادق السامرائينحن مجتمعات مستورِدة، ومن هذه المنتجات التي نستوردها ونستهلكها ونعتاش عليها ونتماهى معها هي المعرفة بأنواعها.

فكل شيئ في مجتمعاتنا مستورد، ولا تشذ عن ذلك أنواع المعارف كالشعر والقصة والرواية وغيرها من الإبداعات، التي تقوم المجتمعات الأخرى بإنتاجها وبأصالة وخصوصية متصلة بطبيعتها، ومتواكبة مع قدراتها التفاعلية مع إرادة الحياة المعاصرة.

فتلك المجتمعات الصوت ونحن الصدى، وهي النسخة الأصلية ونحن ننسخ عنها، وهم المبتكرون المخترعون والمبدعون، ونحن المستهلكون والتابعون، شئنا أم أبينا، فلا اصيل في مجتمعاتنا، وإنما السائد الهجين، والمستنسخ عن الآخرين.

إن إنتاج المعرفة له علاقة قوية مع قدرات المجتمع الإنتاجية في ميادين الحياة المتنوعة، فلكي ننتج المعرفة ونكون بحق من المجتمعات المبدعة، لا بد لنا أن نحقق إنتاجية زراعية وصناعية وعمرانية، وننتج حضارة معاصرة متوافقة مع ما فينا من رؤى وتصورات خاصة بنا، أما أن نفتقر إلى أي قدرة إنتاجية في الحياة، ونعتمد على الآخرين في إطعامنا وإكسائنا وتوفير ما نحتاجه، فأننا لا يمكننا مهما إدعينا، أن نكون من المنتجين للمعرفة ومن المبدعين، فهذا هراء وتصورات منحرفة ونوازع هروبية خداعية للتنويم والتخدير، والإمعان بمزيد من الشلل والقعود على قارعة طريق الحياة.

فالمجتمعات التي تنتج معارف تتحقق فيها هارمونية إنتاجية متوازنة في كافة جوانب الحياة، وتجد أمواج تياراتها الإنتاجية متناغمة وقد تتصاخب، لتصنع نهرا دفاقا من الإبداع والإبتكار والإضافات الأصيلة المتميزة لمواكب العصر المنير بالمستجدات الخلابة.

وفي مجتمعاتنا تسود الثقافات الموتية المعززة بالخطابات التضليلية التدميرة، التي يتقنها المتاجرون بالدين والحياة، والتي تعزز التنويم الجماعي والتأسيس القطيعي للوجود المجتمعي، الذي يتعطل فيه العقل وتصادر الإرادة ويتمكن اليأس والإحباط والتشكي والتظلم، والتلذذ بما يقوم به المتسيدون على مصيرهم ووجودهم بأكمله، وتكون التبعية والخنوعية مذهبا ودينا وصراطا مستقيما وأمينا إلى حين.

هذه المجتمعات لا تنتج معرفة ولا يمكنها أن تدّعي إبداعا، أو الإتيان بما هو جديد ومؤثر ومتفاعل مع مسيرة الحياة، إنها مجتمعات تتبع والتبعية مؤزرة ومؤدينة ومعممة، ولها ألف مذهب وجماعة وراية ورؤية وتأويل وتفسير حتى صار أن تكون عبدا هو الدين.

أما إذا تساءلنا هل يمكننا أن ننتج معرفة ونحقق إبداعا أصيلا؟

فأن الجواب سيكون نعم، إذا آمنا بأنفسنا، وتحررنا من ربقة الإستيراد والإستهلاك، وآمنا بأننا يمكننا أن نكون ونضيء عصرنا بأنوارنا الإبداعية الأصيلة، وأن نحقق هذه الرؤية الإنسانية الحضارية الواثقة، لا أن نبدد جهودنا وطاقاتنا في الإستساخ والإستهلاك والتوطين والترطين، وما شاكلها من دعوات إخمادية وتدميرية لطاقات أمة ذات قدرات حضارية أصيلة كامنة، وتعجز عن الإستثمار فيها والتعبير عنها بأدوات العصر.

نعم نستطيع وسنأتي بالأصيل!!

فهل من إبداع نابع من ذاتنا وموضوعنا، ومستلهما لما فينا؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم