أقلام حرة

مرايا مسيرتنا خلفية وجانبية!!

صادق السامرائيلماذا توحلت الأجيال العربية في إرادتها، وإختنقت بتطلعاتها، وإندحرت في أهدافها، وقتلوها بما تريد، وأجهضوا أحلامها، وإنطمرت في مساعيها، فانقلب كل شيئ عليها، فاندفنت في ويلاتها وتداعياتها المتواصلة البلاء.

قد نجتهد بأجوبة متنوعة ورؤى متعددة، لكن الجوهر الحقيقي والفعال أن الأجيال وكأنها في سيارة زجاجتها الأمامية عبارة عن لوح خشبي أو حديدي لا ترى خلاله ما هو أمامها، فتستعين بالمرايا الخفية والجانبية في سيرها.

نعم إن الأجيال مضت على أنها لا ترى أمامها، وإنما تتعلق عيونها في المرايا التي تعكس لها ما هو خلفها، فتتوهم أنها تسير وما هي إلى تتحرك إلى الخلف بسرعة تتوافق وقدراتها على قيادة السيارة تراجعيا، حتى صارت هذه الحركة الإنحدارية توهم بالحركة إلى الأمام.

ولا تزال الأجيال تعارض أية محاولة لتحطيم اللوح الأمامي أو إحداث ثقب فيه لكي ترى ما هو أمامها، أو ليتضح الطريق الذي عليها أن تسلك لكي تكون، مما يعني أن الأجيال في محنة وجودية مصيرية قاهرة، فلا يمكنها أن تسير كغيرها لأنها لا ترى ما أمامها، وأنظارها متعلقة بما وراءها، حتى إضطربت حواسها وقدراتها على التقدير والتبصر، فبدت وكأنها تتخبط في مصيرها المجهول، وتنجذب إلى ما ورائها من الحالات.

وهذا يفسر إنشغال الأجيال بتعاقبها بما مضى وما إنقضى، لأنها تبدو وكأنها لا ترى سوى الذي يتراكم وراءها، ويتعاظم في مأساويته وعدوانيته على حاضرها ومستقبلها، وإن شئت فالأجيال معصوبة العيون منحرفة البصائر، متدحرجة بلا خطوات بل تعصف في كيانها الهفوات.

إن الإنغماس بالورائية يترتب عليه برمجة تراجعية وإندحارية للوعي والتصور الجمعي، مما يوفر بيئة موائمة للحركات الرجعية الأصولية المنغمسة في الغابرات والممعنة بالداميات، التي تسوغها بما إحتوته كتب الأولين من رؤى محكومة بمعارف محدودة بمكانها وزمانها.

وعلى هذا فأن الأجيال قد أضلت سبيلها وراحت تسير إلى الوراء وتحسب أنها تمشي في دروب الحياة، وفي واقعها أنها تهرب من الحياة وتعيش في باليات العصور، مما حتم عليها التعبير عن ذلك بما تحشد به أيامها وترسمه في عالم يدور، وهي تحسب أنها لا تدور أو تدور عكس إتجاه عقارب الساعة.

فهل سنتمكن من الإعتماد على عيوننا وبصائرنا المعاصرة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم