أقلام حرة

الدوغماتية الثقافية!!

صادق السامرائيالدوغماتية تعني إمتلاك الحقيقة المطلقة، أو التزمتية الصارمة، ومن المعروف أن الحركات الأصولية الدينية توصف بها، لأنها تحسب ربها هو الرب ودينها هو الدين، وما عدا ذلك ضلال وبهتان، وتبيح لنفسها فرض ما تعتقده على الآخرين.

وكأنها وهمٌ إذ يتمسك  المصابون بها بما يرونه، ولا يأبهون بالأدلة والبراهين الواضحة الداحضة لتصوراتهم.

ويبدو أنها حالة متصلة بالسلوك البشري، فعندما يتعلق الأمر بالمعرفة والدراية، نجد نسبة من المثقفين يميلون إلى وهم إمتلاك المعرفة والدراية، والتمسك بنمطية راسخة في أذهانهم مفادها "أنا أدري وأنت لا تدري"، " أنا أرى وأنت لا ترى" !!

وهذه العاهة السلوكية التي تنفي النسبية المعرفية، هي من المعوقات الأساسية أمام صناعة التيار الثقافي القادر على التأثير والتغيير، مما يدفع إلى التنخوب (من النخبة)، أو إن شئت (الخواص)، وهي ذات النمطية الثنائية التدميرية التي مضى على نهجها المتاجرون بالدين في مسيرة الأمة، فهم يرون أن الأمة (عوام) وهم الكثرة و (خواص) وهم القلة الذين يحتكرون المعرفة والعلوم، ويفرضون على العوام الجهل والأمية، ويقررون ما يجب أن يعرفون وما لا يعرفون، لأن المعرفة تفسد رؤوسهم وتبعدهم عن صراط التبعية، والإنقياد للقِوى الدينية المنتفعة من عطايا الكرسي المنان.

أي أن نمطية تلك الرؤوس تتأكد في بعض الرؤوس المثقفة، فهي تتباهى بأنها (نخبة)، وإنتاجها لا يصلح إلا للنخبة، أما العوام فعليهم أن يتنعموا بجهلهم وأميتهم الشاملة، وبهذا فأن بعض المثقفين يساهمون في تأكيد دور القِوى الدينية المضللة والمدمرة للوعي الجمعي، وهم يقومون بذلك عن قصد أو غيره، لكن رسالتهم التجهيلية للناس ماضية ولها تأثيراتها وتداعياتها.

وهذا يفسر فشل المثقفين في المساهمة بالإرتقاء بالواقع الذي ينشطون فيه، بل أن الأمية تتناسب طرديا مع زيادة عدد المثقفين، مثلما هو الحال مع زيادة عدد القٍوى المتاجرة بدين، مما يعني أن بعض المثقفين ربما يترجمون إرادة تلك القِوى الفاعلة في المجتمع، وأنهم يتبعون أجندتها ويؤكدون دوغماتيتها.

وكأن المجتمع يعيش تحت مطرقة القٍوى الدينية المتاجرة بدين وسندان بعض المثقفين المتوهمين بالمعرفة، وأنهم النخبة، وغيرهم من العوام الذين يستحقون حياة القطيع والتبعية وتعطيل العقل، فالتفكير عليهم حرام، والسؤال جريمة وعدوان، والببغاوية والتلقين الإستعبادي هو الدين، ولا سواه دين.

فلماذا لا يراجع المثقفون الدوغماتيون نمطيات تفكيرهم وينورون عقولهم، بدلا من التيقن بأنهم منبع النور وما أناروا ظلمات الرؤوس والنفوس؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم