أقلام حرة

هل أن السلوك الطائفي إدمان؟!!

صادق السامرائيمن عجائب السلوك التي يصعب تفسيرها وتعليلها، أن تجد الشخص من ذوي الشهادات العليا، والذي يعيش ويعمل في مجتمعات ديمقراطية لبضعة عقود، وجيرانه من جميع الأجناس والمعتقدات الأرضية، ويتعامل معهم بأدب وإحترام وتقدير لعنصرهم ومعتقدهم، بل ربما يشاركهم مناسباتهم الثقافية والدينية، وعندما يتعلق الأمر بأبناء شعبه فإنه يُكشر عن طائفيته القبيحة ونوازع نفسه الشريرة، وحينما تواجهه بالحقائق والوقائع يحسبك عدوه اللدود؟!!

سألت أحد الزملاء وهو خبير سلوك، فأجاب بأنها البواعث السلوكية، وضرب مثلا عن المدمن على الخمر، عندما يترك الخمر لفترة ويدخل حانة فإنه يعجز عن مقاومة رغبة إحتساء الخمر، فينتكس ويعود إلى سلوكه القديم!!

فهل أن السلوك الطائفي إدمان؟!!

سؤال يستحق التفكير والبحث والنظر!!

وما هي معززاته ومحفزاته وبواعثه؟!!

كيف يتحول الشخص فورا إلى طائفي، بينما هو يتعامل مع الآخرين بديمقراطية متواصلة، ولا يجرؤ أن يسأل جاره عن دينه أو زميله في العمل عن معتقده، لأنه يعرف أن ذلك من الممنوعات، التي قد تؤخذ على أنها إعتداء على الآخر، وربما يحاسب عليها القانون. 

أذكر هذا وأنا أقف متحيرا أمام الذين يتفاعلون مع غير ملتهم بديمقراطية تامة، ومع أبناء وطنهم بطائفية وعنصرية مقيتة بغيضة مقرفة، وهم من أصحاب الشهادات والمناصب والمسؤوليات، فكيف بربك يتحقق بناء مجتمع ووطن بهذه العقليات الخارجة عن قانون البشرية ودستور الإنسانية، وتدّعي الدين والإيمان وتصلي لربّها خمسة مرات في اليوم، وكأنها ترى أن الله مُلكها والقرآن من تأليفها والنبي يخصها لوحدها، ولم يكن رسولا للعالمين، ولا رحمة للناس كافة!!

وتتوارد إليك الكتابات الطائفية من كل حدب وصوب، والذين يسوّقونها يعيشون في مجتمعات ديمقراطية!!

ويبدو أن وسائل الإتصال المعاصرة فعلت فعلها السيئ، لأنها وفرت للمنحرفين والمرضى، فرصة نشر نوازعهم الإنتقامية ودخائلهم القيحية في المواقع والصحف، ويحسبون أنفسهم كتابا ومفكرين وغيرها الكثير من التوصيفات، التي يتم تسويقها من قبل أصحاب الشهادات الذين يعيشون في عوالم ديمقراطية، ويكنزون في أعماقهم سموم الكراهية والبغضاء والأحقاد!!

فكيف يتم الجمع بين المتناقضات، والتعبير عنها بسلوك سلبي وإيجابي في آنٍ واحد؟

فتعجبوا معي وتأملوا كيف يساهم المنوَّرون بالديمقراطيات بتدمير بلدانهم وأبناء شعوبهم، وعندما تواجههم يتناكرون ويحسبون ذلك سلوكا غيرحضاري ولا ديمقراطي، لأن الديمقراطية حمّالة الأوجه في نظرهم، المرهون بأمّارة السوء التي فيهم، فتجدهم لكل قبيحة وخطيئة  يبررون، ولله في خلقه شؤون، فدعهم في غيهم يعمهون!!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم