أقلام حرة

الإندحار التراثي!!

صادق السامرائيأن تتقهقر للحفاظ على الهوية، فتصبح صورة الماضي هي الصورة الطاغية على الحياة، وبموجبها ينتفي المستقبل وينكمش الحاضر أو يغيب.

والأمم الحية عندما تتعرض لهجمات قاسية ذات إرادة محق وتدمير فتاك، وتعجز عن المواجهة والتحدي والوقوف شامخة بوجه التيار العارم الذي يجتاحها، تتزعزع هويتها أو تصبح مهددة بالزوال، فلا تجد بدأ من الرجوع إلى ماضيها والتمسك به وإعلاء شأنه والتعبير من خلاله عن وجودها ومنطلقات مصيرها.

وما يدور في واقعنا العربي يمكن تفسيره وفقا لهذا الإقتراب الذي تكرر في حياة الأمة، وتمكن من مساعدها على الصمود أمام المواجهات العظمى التي كادت أن تلغيها وتقتلع جذورها، لكنها إنتصرت عليها بإرادة ماضيها، وجوهر ما فيها.

وكان ذلك السلوك معينا لها في العصور الماضية، وحتى منتصف القرن العشرين، لكن الدنيا قد تغيرت بسرعة مذهلة في العقود الماضية، ومضت متسارعة في القرن الحادي والعشرين، مما جعل الأساليب القديمة غير صالحة ولا تنفع في المحافظة على وجود أمة تداهمها الأخطار الجسام.

فالإندحار بالتراث لا يقي الأمة ولن يساعدها على الصمود والتحدي كما كانت في القرون الخوالي، ذلك أن القدرات التكنولوجية بأنواعها قد هيمنت على الوجود الأرضي، وأصبح من اللازم أن ترتقي الأمة بقدراتها البقائية إلى العصر الذي هي فيه، فلن ولن تنفعها مكنوناتها التراثية إذا فقدت ما عندها من طاقات معاصرة تعجز عن تسخيرها لبناء وجودها المناسب.

كما أن إيقاع العصر قد بلغ درجات فائقة من السرعة، ولا يمكن الوقوف والترقب والمراقبة، لأن ذلك سيعني أن التدحرج إلى الوراء سيكون حتميا، حتى ولو لم تتحرك الأمة، لأن الوقوف بمعناه المعاصر يعني السير إلى الوراء.

وعليه فالمطلوب تحقيق التفاعل الجاد والمجتهد مع معطيات العصر، والوصول بالقدرات الذاتية إلى مصاف المجتمعات المتحركة على سكة الصعود، والتسابق في ميادين العطاء الإبداعي الأصيل.

مما يوجب إعمال العقول وتغيير الرؤى والتصورات، وعدم الإعتماد على الأفكار البالية والنظريات الغابرة، والتوهم بأن القوة في الماضي وحسب، لأن القوة الحقيقية في إطلاق قدرات مجموع الأمة وتركيزها في وعاء التوثب الحضاري المشرق المنير.

فعلينا أن نكون أنوارا في مشكاة الإنطلاق الإبداعي المنير.

فهل لنا أن نتألق في حاضرنا ومستقبلنا، ونتأمل الماضي بعيون البصيرة الواعية لخطوات المسير؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم