أقلام حرة

المفكرون يدمرون!!

صادق السامرائيالواقع العربي ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم يزدحم بالمفكرين الذين أسهموا وبقوة في تدميره من أقصاه إلى أقصاه، فهم يبررون ويسوّغون ومعتقلون في زنزانة لماذا، ولا يتجرؤون على النظر إلى فضاءات كيفَ، بل يخشون الإقتراب منها، وبهاذا فهم " المأسنون" (من آسن) و"المُرسّخون" من (رسخ)، و"المثبطون" من (ثبط).

فطروحاتهم وبلا إستثناء تدور في فلك الدين والتأريخ ولا يمكنهم الخروج من قبضتهما، ويكررون ذات الطروحات وبمفردات وتعبيرات متجددة، وينتقدون ويحللون ولا يقدمون حلولا.

يقولون أن الأمة بحاجة إلى أربعة قرون أو أكثر لكي تخرج من عصرها المظلم كما حصل في أوربا، بل أن البعض يرى أن الزمن سيزداد لأن الدنيا تتقدم وهي تتخبط في متاهات الدين والتأريخ، وآخرون ينسفون وجود الأمة ويعتبرونها منقرضة أو آيلة للفناء، وطروحات أخرى تدور في ذات المحور والمدار.

ويحسبون أن الأمة ميتة، وأنها لا تتفاعل مع العصر، وأنها لا تنتج معارف، ولاتمتلك القدرات اللازمة لبقائها، ويمعنون بإستحضار أسباب وموجبات موت الأمة وإعترافها بالهزيمة والإنقراض الحتمي، وعليها أن تتبع وتخنع وتذبل وتُستعبَد من قبل الآخرين.

وفي طروحاتهم إلغاء للزمن المعاصر، وتوهم بأن الدنيا تعيش في عزلة كما كانت في القرون الوسطى، ولا ينظرون إلى المجتمعات الأخرى كيف خرجت من معتقلات عصورها المظلمة في ظرف بضعة عقود، كما حصل في الصين وماليزيا وسنغافورا وغيرها من مجتمعات الدنيا التي نهضت من تحت ركام العصور.

ولا بد من القول بأن الأمة حية وستكون رغما عن جميع الطروحات اليائسة البائسة، وأن فيها أجيال واعدة ومتفاعلة مع عصرها، وتعيش في قلب الحياة وتساهم بالإبداع والعطاء المعاصر على مختلف مستوياته وإتجاهاته، فالحضارة المعاصرة ليست غربية أو أوربية أو صينية، إنها حضارة إنسانية وناتجة من تفاعل عقول البشرية مع بعضها، والدول الغربية ما هي إلا حواضن للعقول البشرية من أصقاع الدنيا كافة، ولهذا تحقق التطور السريع والهائل، والمنطلق بخطوات شاسعة نحو جديد بعد جديد.

فالحضارة إنسانية واحدة، والفرق بين العقود القليلة الماضية وما سبقها من قرون، أن البشرية تمكنت من التواصل والتفاعل بثقافاتها المتنوعة، فأوجدت ما لم تكن قادرة على الإتيان به كل ثقافة لوحدها.

أي أننا تعيش في عصر سبائكي (من سبيكة) العقول، فالسبائك العقلية هي التي تنتج هذه النوعية الأصيلة من الإبداعات على جميع المستويات، فالأمة الإنسانية تتفاعل مع العصر بكلها، وأمتنا العربية جزء فعّال منها وفيها، فلا يجوز إفرادها والتعامل معها على أنها معزولة أو منقطعة وخارجة عن العصر.

فالأمة لا تختلف عن غيرها من الأمم بكل ما فيها وعليها، والمشكلة أن الطروحات التي تسمى فكرية تخلو من المصداقية والعملية، وتدور في دوائر مفرغة من التعجيز والتيئيس والقبول بالدونية والهوانية والتبعية النكراء.

فالأمة يمكنها أن تكون في غضون بضعة عقود وتعاصر وتنطلق في مشوارها الحضاري، فعليها أن تتحرر من الأفكار السلبية والتوجهات الإحباطية وتؤمن بنفسها وبإنسانها، وتثب بعزيمة وإصرار نحو مستقبلها الزاهر.

وليبتعد مفكروها عن المقارنات التدميرية والإنحرافات التحليلية لواقعها،  وكأنهم يغفلون جوهرها وطبيعة السلوك البشري.

قد يتصور البعض إن ما تقدم بعيد المنال، لكنه قريب وقريب، وأقرب من حبل الوريد، عندما نؤمن بأننا نكون!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم