أقلام حرة

المثقف الكافر والملحد!!!

المهدي بسطيلي"يبدو أن كل مثقف كافر وملحد ومغضوب عليه إلى يوم يبعثون"

هي الفكرة والرواية التي تقيد نظرة الأفراد للفئة المثقفة وهي آخر أسطوانات العصر بعد الفضفاضين والجنون والحمقى وغيرها من النعوت التي ارتبطت بهؤلاء، ولم تكن غير ضريبة للسؤال والتحليل والنقد الذي يرفضه المجتمع، فالسائل في الحقيقة إنسان يعلن كفره بالمكتوب والمقدر سلفا ويجب إبعاده حتى لا تصيب خطاياه الجميع.

أنا أتساءل فقط كيف تكون ضريبة السؤال بهذه الشناعة وكيف يعمل المجتمع على شيطنة مبادئ العقل والتفكير؟ هل تكون الثقافة هي السبب؟ أم للمثقف دور في ذلك؟

لا يمكن لعاقل أن يلقي باللوم على أية ثقافة مهما كانت هشاشتها ليصفها بالمتأزمة أو ليصمها بالمتخلفة، لأن الثقافة في أبسط تعريفاتها هي تراكم لمجموعة من الممارسات والمعلومات والمهارات والطقوس والسلوكات والمعتقدات، التي يشارك فيها الأفراد داخل المجتمع في زمان ومكان محددين.

وبناء عليه، فالثقافة هي نتاج بشري مرهون بمستوى الذكاء الوعي الفردي الذي يُتوصل إليه ضمن منظومة سياسية واجتماعية معينة، أساسها مشروط بإطلاق الحرية وتنمية الحس بأهمية العقل والوعي داخل المجتمع، فهل تشجع مجتمعاتنا ذلك حقا؟

"تذكرني المسألة بقصة الملك الذي بتر أنفه جراء مرض أصابه، فأمر ببتر أنف كل فرد في مملكته حتى يتساوى الرعية مع ملكهم في عاهته، فأصبح كل واحد أنفه معتدل حالة شاذة بين الناس ولا يصلح أمره إلا بعد بثر أنفه"

هو نفس الأمر يحدث في مجتمعنا فالمثقف هو الحالة الشاذة بيننا، فأسئلته وجرأته غريبة عن العامة منا ومرض لا يليق بنا يجب القضاء عليه حتى تعتدل أحوالنا، إن لللأمر طبعا إيديولوجيات رسخت في الثقافة الشعبية تحميها مصالح خفية لا مجال لذكرها اللحظة.لكن هل يكون المثقف المغربي بريء من هذه الجريمة؟

يجب أن نشير إلى أن الأصول العامة للمثقف المغربي كانت وما تزال أصولا بدوية اعتراها الانبهار بالمدينة ومظاهرها البراقة البرجوازية المزيفة، ومن هنا، كانت أحلام المثقف خلال مساراته المتنوعة مصطبغة بألوان اليسار- الذي لم يتنكر للمعتقد الديني-  عموما بسبب شعوره بالتخلف والقهر والحاجة إلى الرقي الاجتماعي الذي يضمن له مكانة ما ودورا معينا في الوسط الاجتماعي الذي فرض عليه مع الاستعمار، وهي سياسة احتظنتها السياسات الاستعمارية، فانتكس وانشطرت أحلامه التي جاء بها من ريفه البسيط  ذي الإشارات والرموز الواضحة.

ولقد زادت سياسة تكميم الأفواه المنتهجة  من تعميق الهوة بينه وبين مجتمعه وضاعف جو غياب الحرية من اغترابه في وطنه، ثم جاءت قوى الظلامية والأصولية الطارئة في السنوات القليلة الماضية داخل السياقات العربية طبعا، فدمرت كل أمل فيه، بل وجعلته يدخل في دوامة إضافية جديدة محورها السؤال الوجودي القاتل: ما الذي أستطيعه في ظل الخراب الشامل الذي يحيط بي؟ هل أستطيع إيصال رسالتي لأشخاص ماتوا وليست هناك حتى شواهد على قبورهم تدل عليهم؟ هل أنا فعلا أنا أم أنني شخص آخر جاء من كوكب غريب وابتلي بقوم لا يشاركونه الهم ولا السؤال ولا المصير؟

هذه التيمة بالذات موجودة بكثرة في الروايات العربية وهي تقدم النموذج الواضح عن أزمة المثقف إزاء القطيعة المجتمعية التي يعيشها المثقف بغض النظر عن مجتمعاته، تتنازعه مجموعة لا متناهية من النوازع تدفعه في كثير من الأحيان إلى الخيانة، فشعوره باللاجدوى من كتاباته وإحساسه ببعد المسافة بينه وبين أفراد مجتمعه، واعتقاده بتخلي الجميع عنه ولا مبالاتهم بمصيره ولد فيه الشعور بالنقمة والسلبية مما جعل كتاباته تصدر في الغالب عن ردة فعلوهو مادفع البعض للقول بأن الأزمة هي أزمة مثقف لا ثقافة،ذلك أن منطق التغيير المنتهج لحد اليوم من فئة المثقفين، لا يؤسس لمخرج من هذه الأزمة، بل يماشي ويساير الوضع العام بمواقفه المهادنة والمداهنة للسياسي الذي ابتلعه وجعله تابعا له.

لقد تجوف صوت المثقف وأصبح جزء من الأزمة الشاملة التي تنذر بالإنهيارالكامل لكل النسيج الاجتماعي، الذي تفكك تحت وطأة الاغتراب لماذا يهرب المغاربة من السؤال ؟ لماذا أصبح التدين إرهابا لدينا؟ لماذا نحن لا نعرف بأية لغة نتخاطب وإلى أية حضارة ننتمي؟ ربما هي أسئلة البدء والتي تحتاج للجواب على الأكيد.

فانحصر المثقف في الزاوية بين أزمة الثقافة وأزمة هويته أصلا، وبين استحواذ السياسي على السلطة وجلده بسوط التهميش، وبين عنوة اللاوعي المجتمعي التي ترفض كل فكر خارج المكون الديني، وتعتبر كل سؤال يضرب في الواقع تهديد مباشر للمعتقد الذي يجب أن لا يطاله النقاش والشك.

"المثقفون هم منارات الشعوب وعلى عاتقهم تقع مسؤولية التنوير والتغيير، والتاريخ سيحفظ بأن عددا من المثقفين المغاربة لم يكونوا في مستوى تطلعات الشعب، بل تواطؤا ضده، أي ضد أنفسهم"

 

المهدي بسطيلي

 

في المثقف اليوم