أقلام حرة

البنية التحتية النفسية!!

صادق السامرائيالواقع العربي يمتلك بنية تحتية نفسية ضعيفة، شأنها كأي البنى التحتية الأخرى الواهنة، مما يتسبب بوقوع المجتمع في مطبات تدميرية وإهلاكية ذات نتائج وخيمة.

فما يعتمل في الكيان النفسي العربي يشمل الشعور بالدونية والتبعية والهزيمة والإنكسار، والإندحار والإنتكاس والتعود على الخيبات والتداعيات، وفقدان التفاعل مع الحاضر ونكران المستقبل، والتقهقر بإتجاه الماضيات، والتوهم بأن الدين هو الحل، إنطلاقا من الشعور الوخيم بالذنب.

وهذه الحالات وأخواتها تعني أن البنية النفسية التحتية ذات سلبية عالية، وتساهم في تنمية متواليات القهر والتظلم والتشكي، والتوهم بأن العلة في الآخر وليس في الوعي الجمعي، والتفاعل القائم ما بين المواطن وذاته وبينه وبين المواطنين من حوله.

ووفقا لأبجديات التوصيفات السلبية، فأن المواطن يجد نفسه في محنة التخلص مما يمت بصلة إلى منابع الويلات والأحزان، فتراه يحاول مسخ الوطن وإهمال اللغة والتخلص من الهوية ومعاداة الدين، والإقدام على تفاعلات تدميرية كاسحة ومتنوعة، نابعة من مشاعر اليأس المتراكم والإختناق الداهم المهيمن على الحياة العربية في أرجاء بلدانها.

ومن الواضح أن المجتمعات الخالية من البنية النفسية التحتية القوية لا يمكنها أن تتفاعل مع عصرها، ولا تستطيع المشاركة بالعطاء الإبداعي الأصيل، وإنما تتمتع بإنهزامية عالية، ومشاعر دونية قاسية، مما يتشبب بإضطرابات سلوكية داخلية، يتحقق الإستثمار فيها من قبل الطامعين بثروات البلدان، لأن المواطنين في غفلة عنها ومنشغلين بما يزيدهم ضعفا وقهرا.

تُرى كيف نعيد بناء أو ترميم أو إنشاء بنية نفسية تحتية عربية ذات قيمة حضارية وإنسانية، تساهم في الإرتقاء بذات الإنسان العربي، وتمنحه القابلية المعنوية الكفيلة بالتعبير عما فيه من الطاقات والقدرات الأصيلة النافعة لأمته والإنسانية؟

والجواب يحتاج إلى تفاعل ذوي الإختصاصات النفسية، للوصول إلى آليات سلوكية تعيد للإنسان العربي ثقته بنفسه، وتمنحه القوة والقدرة على التحدي والإنطلاق الواعي المعاصر.

وما ينجم عن هذا التفاعل يتطلب رفدا إعلاميا وسياسيا، وتوجها نحو الإنسان العربي والإستثمار فيه وإعتباره القيمة العليا والقوة الكبرى، التي بدونها لا يمكن لحياة عزيزة كريمة أن تكون.

ويبدو أن مصر العربية قد إنطلقت بهذا المشروع متنورة برؤى نفسية وفكرية ذات غايات واضحة وأهداف مركزة، كما أن الإختصاصيين في العلوم النفسية لديهم نشاطات توعوية وتثقيفية وإرشادية وإعلامية ذات نتائج إيجابية، بتراكمها سيتنامى الوعي النفسي وتستعيد الذات العربية قدرتها على الحياة الأفضل والأرقى والأقوم.

وبإختصار لا بد للجهود الجمعية أن تتضافر وتتنامى وتتقوى، لتصنع مستقبلا مشرقا ومتوافقا مع إرادة أمة ذات مقام حضاري مديد.

وتلك مجرد إضاءة تبحث عن جد وإحتهاد، فهل من مواظبة وإصرار على صناعة النفس العربية الأبية؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم