أقلام حرة

بضاعة الكتاب!!

صادق السامرائيالكتاب في مفهومنا الجمعي مجرد من الربح المادي والتفاعل التجاري، وكأنه عبارة عن نشاط يقوم به الشخص من باب الترف والرفاهية وقضاء الوقت، ونتجاهل أن الكتاب حصيلة جهد وبحث وإبداع متراكم، يستوجب أن يعود بمردود مادي على الكاتب، لأن أي جهد له ثمن، وأي وقت لا يمكنه أن يكون مهدورا بلا منفعة.

فالكتاب عندنا ليس ببضاعة، ولا يمكنه أن يأتي بربح، بينما الحذاء بضاعة ويمكنه أن يجني أرباحا طائلة .

الحضارة الحديثة تحسب الكتاب بضاعة، أي أنها تتعامل معه كأية بضاعة بحاجة إلى دعاية وآليات تسويقية وترغيبية، وله مَن يقيمه ويتاجر به ويجني أرباحا معينة منه، وليس من السهل طباعة كتاب يؤدي إلى خسارة لمؤلفه وللناشر الذي يتولى العمل به.

فللكتب من يروّجها، ويختارها ويسوقها ويوجه بخصوص موضوعاتها، وخبراء أسواق ومندوبون يقدرون مدى مقروئيتها وكم منها سيُباع، وكم عدد ما يُطبع.

وعندنا يجد الكاتب نفسه لوحده، بل وتحت طائلة المبتزين له من الذين يطبعون وينشرون، ويكون الضحية وكتابه بضاعة كاسدة خاوية، ويتحقق طباعة بضعة عشرات أو مئات من الكتاب الذي ينام في بيت الكاتب ويتحول إلى هدايا يناشد مَن يعرفهم لكي يقرؤه.

وهذه الحالة تشير إلى مأساة الكتاب العربي، التي لا تتفق ومعايير التفاعلات الحديثة مع الكتاب، فهناك خلل في الكاتب والطابع والناشر والقارئ، وجميعها تتفاعل لتساهم في إنتاج حالة لا قيمة لها ولا أثر في العقول والسلوك.

فالثقافة العامة المتوارثة ليست ثقافة كتاب، وإنما ثقافة أقوال ونقل صوتي ما بين الأجيال، بعكس ما يدور في المجتمعات الأخرى التي تحقق علاقة قوية ما بين الإنسان والكتاب ومنذ الطفولة، فالطفل وقبل أن يدخل المدرسة الإبتدائية يكون قد قرأ عشرات الكتب مع والديه، وتعلم الكثير من المعارف والكلمات وصارت لديه معجمية ثرية، وقدرة على التفاعل مع الكلمات وطرح الأسئلة والبحث عن الجواب.

والتربية على تنمية العلاقة ما بين الإنسان والكتاب تكاد تكون معدومة، ويعود السبب الأساسي لغياب المكتبات العامة ودورها في حياة الناس، فمجتمعاتنا خالية من المكتبات بالمقارنة بالمجتمعات الحديثة، ففي مدينة يقدر نفوسها بمليون لا تجد سوى مكتبة واحدة أو لا تجد، بينما في المجتمعات الحديثة يكون فيها عدد من المكتبات العامة، وتكون المكتبة محور النشاطات الثقافية فيها.

فهل ستتمكن أمة "إقرأ" أن تعيد للكتاب دوره وقيمته في حياتها؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم