أقلام حرة

معاركنا الهمجية!!

صادق السامرائيمعاركنا تبدو للآخرين همجية من الدرجة الأولى، في عالم تتعاظم فيه المعارك الفكرية والعلمية والإبتكارية والإستكشافية.

عالم تتسابق فيه المجتمعات لإستثمار الفضاء وتعدين القمر وتحرير الطاقة من أوراق الشجر، ومن الماء والرياح والشمس والذرات والإليكترونات والنيوترونات.

بل أنه عالم في أشد حالات النزال لإمتلاك العناصر النادرة في الجدول الدوري للعناصر، والتي أصبحت ذات إستخدامات علمية وإختراعية لا تخطر ببال.

عالم يطمح إلى آفاق بلا حدود، وولوج أكوان من المعارف والعلوم والمخترعات التي أذهلت كل موجود.

وفي هذا الخضم المحتدم لا تزال بعض المجتمعات تنقاد بهمجية عمياء، نحو سلوكيات مناهضة لوجودها وقدرات بقائها ومعاني تفاعلها في الحياة، ومنها مجتمعاتنا التي عبّرت عن أفظع درجات الهمجية  منذ بداية القرن الحادي والعشرين، ولا تزال في غاية الإمعان بسلوكها العدواني على ذاتها وموضوعها ومعتقدها وكل ما يمت بصلة لهويتها.

وما تعلمت أبسط ضوابط ومرتكزات المعارك الفكرية والمعرفية، وإنما إستلطفت الإنطمار في تراب الأجداث والغوابر  والباليات، حتى إحترق الحاضر وغاب المستقبل، وتأسنت معالمها وإنقرضت طاقات أبنائها، وهُدرت في سوح التراهات.

ولا يمكن لهذه المجتمعات أن تستعيد رشدها، وتعي دورها من غير معارك فكرية، تلهب الطاقات وتطلق الأفكار وتمنحها آليات التفاعل مع الحياة.

فهذه المجتمعات لا تحتاج لتعزيز همجية السلوك بمعارك حزبية كرسوية فئوية طائفية، وإنما عليها أن تتخلص من القيود الإنقراضية، وتتعلم كيف تفكر وتحاجج وتبحث وتدرس وتقييم وتسعى نحو إدراك المستجدات، مثلما تفعل الشعوب الحية والمجتمعات المعاصرة القوية المتحضرة.

فالمعارك الفكرية التي تحتاجها مجتمعاتنا لا تُسفك فيها دماء أو تطلق رصاصة واحدة، وإنما هي عبارة عن ميادين لمقارعة الحجة بالحجة والعقل بالعقل، والتفاعل الإنساني الخلاق اللازم لإستيلاد العقول قدرات العطاء الأصيل.

وفي تأريخ مجتمعاتنا العديد من المعارك الفكرية التي خاضها أفذاذ أسهموا بتقدم الرؤى ونماء العقول وتهذيب السلوك، وفي مصر كان عباس محمود العقاد أحد قادة هذه المعارك والمقارع الصعب فيها، مما أسهم بإنجاب أعلام كبار في الثقافة المصرية.

وفي مجتمعات أخرى تكاد تنعدم هذه المعارك الفكرية، مما تسبب في خمول العطاء وخمود الجد والإجتهاد.

ولهذا فأن مجتمعاتنا مطالبة اليوم بالتوجه للمعارك الفكرية والعلمية والثقافية، بكل طاقاتها، لكي تتمكن من إنجاب ذاتها الحقيقية ورسم معالم دورها الأصيل.

ولكي تبصر بعيون العقل المعاصرة!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم