أقلام حرة

سلوك تغييب الكتاب!!

صادق السامرائيالملاحظ في الصحافة العربية بأنواعها وأشكالها أنها تشترك في تغييب الكتاب، بمعنى أنها تخلو من ملخصات ومراجعات للكتب الصادرة، وهذا ما يميزها عن الصحافة الغير عربية، والتي تجد فيها ملخصات ومراجعات للكتب.

فلو تصفحنا أي مطبوع غير عربي كالجرائد والمجلات بأنواعها، لوجدنا فيها زوايا وصفحات عنوانها " مراجعة كتب أو كتاب"، بينما الصحف والمطبوعات والمواقع العربية لا تعرف هذا الجنس المعرفي والثقافي.

فالمواقع العربية خالية تماما من ذلك، إلا فيما ندر، مما يعني أن الإعلام والصحافة والمثقفين أنفسهم بساهمون في تقليل قيمة ودور وأهمية الكتاب في حياة الناس، ويلومونهم على عدم الإكتراث بالكتاب.

ويعيش المثقف العربي في وهم أن الأمة لا تقرأ، وهذا الوهم يتحقق ترسيخه من قبل المثقفين أنفسهم، فما فكروا بكيف نجعل الذي لا يقرأ يقرأ، وإنما أذعنوا لهذه المسلمة الوهمية وجعلوها أمرا راسخا لا يمكن زحزحته والتخلص من أوزاره.

والواقع المعاصر يشير إلى أن الناس تقرأ وما يميزها عن بعضها هو ماذا تقرأ، ومجتمعاتنا تقرأ الأضاليل والبهتان، وهناك قوى داخلية ذات مصالح إستحواذية تؤجج عواطفها وتمنع عنها القراءة العقلية، فتدفعها إلى قراءات إنفعالية ذات نتائج مأساوية، تتحول إلى دوامات عاصفة في وجودها اليومي.

وهذه الأساليب الترويضية للسلوك البشري هدفها تعطيل العقل وتحريم السؤال، والدفع بإتجاهات الإذعان والخنوع للذين يدّعون المعرفة وغيرهم من الجاهلين.

ويلعب المثقفون دورهم في تعطيل العقل العربي والعمل الجاد مع أعداء العقل، عن قصد أو غير قصد، بما يبوحون به من يأس وإحباط  وإستسلام لواقع لا يتوافق ومعطيات العصر وقدرات الإنسان الجديد.

فالمثقفون يبخسون الكتاب، ويميلون إلى التفاعلات النرجسية الخالية من العلمية والقدرات الحوارية الهادفة إلى إستنهاض الوعي الجمعي، وإنما تسود الإنفعالية وآليات الإحباط والشعور بفقدان الدور والقيمة فيما يطرحونه، ويتناولونه من موضوعات لها علاقة صميمية بتنوير أمة تريد أن تكون.

ولا يُعرف هل أن في المثقف العربي نزعة أنانية وإستبدادية تمنعه من مراجعة كتاب لمؤلف غيره، أم أنها حالة بحاجة لدراسة، فالملاحظ أن الكاتب نفسه يقدم مراجعة لكتابه في مجتمعاتنا، وهذا سلوك غير متعارف عليه في المجتمعات المعاصرة، فالكاتب يُدعى لمناقشة كتابه في ندوات تقيمها المكتبات العامة، فيحاوره الحاضرون عمّا ذهب إليه وأراد قوله.

ترى هل ستخصص المواقع والمطبوعات ووسائل الإعلام الأخرى مساحة لملخصات ومراجعات الكتب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم