أقلام حرة

محنة أمة في أمة محنة!!

صادق السامرائيمحنٌ تتوافد وأمة تمضي في غياهب النواكب الضاربات العاصفات في أرجاء وجودها المتخرّب المتحزب المتمذهب المتخنع المتفرق المتمزق المتصارع والموالي لأعدائه الأشراس، والأمة كأنها تستلطف مواجعها وتستثمر فيها فيتنامى نزيفها، وتتسع ميادين خسرانها وإتلافها المرير.

كأن الأمة تتربص المحن وتودها وتسعى إليها بطاقات أجيالها، وما فيها وعندها من الموروثات والثقافات والثروات، ولا تجدها جادة أو متطلعة لتذليل الصعوبات وتفتيت المعوقات وتبديد الصولات، فكل قضية في بدنها تبدو مزمنة وسرطانية الطباع والتفاعلات، فلا قضية مهما كانت صغيرة أو كبيرة تمكنت من حلها وتجاوزها والخروج من قبضتها.

إبتداءً من قضيتها الكبرى الأولى وحتى ما تراكم وتوالى من قضايا معاصرة، محاصرة لحركتها ومقيدة لتكونها وتفاعلها الحر المجيد.

أمة قانطة والأمم بأبنائها وبقادتها، وإذا فسد أولي أمر أية أمة فأن الفساد يعم أرجاءها ويتملك أبناءها، وما أن يحل الفساد في الأمة حتى ينهكها ويفرغها من مداد حياتها ونجيع وجودها، فتتهاوى متهالكة خاوية على عروشها، فتدوسها سنابك المتأهبين للقبض على مصير الآخرين.

وأبناء أمتنا معظمهم يدورون في دوائر مفرغة من الويلات والتداعيات، وتجدهم بلا قدرة على التأثير في بناء الحاضر والمستقبل، وإنما أكثرهم في مهب الريح، لا يستطيع تأمين سلامته وتطوير حياته لأنه في مواطن متداعية.

والأمة تهب عليها عواصف الغابرات وتدمرها أعاصير الفئويات والتحزبات، بعد أن تخلت عن مواطنها ومواضعها، وألغت الوجود المادي والجغرافي اللازم لتفاعلها، وسبك ما فيها في صيرورة إنصهارية فولاذية الطباع والتحديات.

ولكي تنهض الأمة وتستعيد قدرات الحياة والتنافس والتفاعل الحضاري، لا بد لأبنائها أن يتيقظوا ويستنهضوا ما فيهم من طاقات الكينونة والحياة، ويتواصلوا بإرادة مؤمنة بأنها ستكون وتتحقق، وهذا يعني لا بد من الخروج من قبضة التصاغرات والإذلالات والهوانات والتبعيات، وأن تكون التبعية مطلقة للوطن ومصالحه وإرادة مواطنيه أجمعين، وبدون هذه الروحية فأن الأمة ستبقى في دائرة النزيف العارم، الذي سيجفف عروقها ويلقيها على قارعة دروب الويلات الجسام والنواكب العظام، وأعداؤها سعداء بما آلت إليه وإنزلقت من الحطام والإنقصام.

فهل من قدرات لإخراج الأمة من محنها، والأخذ بجوهر وجودها إلى علياء أكون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم