أقلام حرة

حملة انصاف قابيل (2)

لقد وردت قصة ادم في الكتب المقدسة بصيغة متشابهة باعتباره ابا للبشر وبهذا فهو النبي الاول.. وهو اول من عصا ربه بعد ان غواه ابليس بان يأكل من ثمار الشجرة التي نهاه الله عن اكلها ما جعله يطرد من الجنة بعد ان طلب المغفرة.. ابناه هما قابيل (قايين) المزارع وهابيل راعي الماشية.. لقابيل اخت توأم ولهابيل اخت توام اخرى ارادا ان يقترنا فاشارهما آدم ان يقترن كل منهما بتوأم اخيه.. لكن قابيل لم يكن راضيا بقرينته المفترضة اذ كانت توام قابيل اجمل من توام هابيل.. لقد هدى الله آدم الى ان يقضي بان يقدم كلا من الاخوين قربانا للفصل بين رغبتهما في الاقتران باي من الاختين

فقدم قابيل شيئا من زرعه وقدم هابيل قربانه قربانا جملا ن انعامه وبعد حين انت النار فتلقفت قربان هابيل.. اي قبلته فشاط قابيل غضبا وانتهت القصة بان قتل قابيل هابيلا وهو نائم .. فكان اول دم مسفوك حسب تلك الرواية.

هناك عدبد من المستويات للتحليل، فالقصة بمجملها تنطوي على موضوع وفهم وتطور ورمزية، فمن الناحية الموضوعية وبالمنظور العلمي البحت فان القصة لاتعدو كونها اسطورة من بين مئات الاساطير ضمن التراث البشري الثقافي وهي ارث انساني يكشف تطور الذهنية والعقلية البشرية في مرحلة تطورية ما .. والحق ان هذا الطرح لا يمكن تجاوزه بدعوى عدم وجود الاثر الاركيولوجي الذي يدل عليه ،فالقصة بمجملها لاتحمل عناصر خيالية او اسطورية او خرافية يجعل من تصديقها امرا صعبا ناهيك عن عدم امكان توفر وتحقق الكشف العلمي للوجود المادي الموضوع.. اذ قد يكون مستحيلا الحصول على كشف مادي يؤكد حصول حادثة خصومة او قتل شخص خنقا او بآلة قبل مئات ان لم تكن آلاف من السنين.

ان رمزية القصة تشير الى مفاهيم الطاعة والتسليم والخير الشر فضلا عن دوافع الحسد والغيرة.

يرى الدكتور محمد شحرور من خلال منهجه في فهم النص القرآني المقدس بان آدم لم يكن شخصا بعينه بل كان يمثل مجموعة بشرية كما يشير بان زوجه التي اشير اليها في القران ماهي الا مجموعة بشرية اخرى وهذا يعني تاويلا جديدا للنصوص في محاولة لعقلنتها واعطائها بعدا علميا وعمليا وواقعيا بما يتماهى مع معطيات نظرية النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي بعيدا عن الميثالوجيا والدين .

هناك بعض الاختناقات التي يجب النظر اليها في ضوء التفسير التقليدي للنصوص المقدسة من بينها فضية القربان، لقد تضمنت قصة اسماعيل وابراهيم رمزية مهمة باتجاه التوقف عن الاضاحي والقرابين البشرية التي استمرت في الارث الانساني واستبدالها بقربان غير بشري.. وعلى الرغم من ان قرباني قابيل وهابيل لم يكونا بشريين الا ان احدهما فقط تم تقبله.. وهذا يعني حكما مسبقا بالقبول بالرجوع الى النوايا وهو مايطرح قضييا العدالة والمساواة والقدرية والجبرية.. .الخ

ان ما دفع قابيل للجرم حسب النصوص المقدسة هو عدم قبول قربانه وقبول قربان اخيه، في حين لم يترك اي خيار للرجل باختيار من يحب الاقتران بها وتقول المرويات الدينية بان هابيل كان اوفر حظا من حيث الجسم والحكمة والعقل والتقى وهي عناصر حرم منها نسبيا قابيل وربما شكلت مصدرا مضافا اخر للدافع الجرمي

وفي ضوء علم الاجرام الحديث فانه يمكن تبرير دوافع الجريمة ولو عقدنا محكمة عصرية للنظر في القضية لتفهمت دوافع الجريمة وفي اقل تقدير فانها لا تحكم بان يلقى قابيل في النارحتى على سبيل الرمزية. والقضية اجمالا لم تكن متعلقة بذنب اقترفه هابيل اكثر مما هي قانون العلوية والربوبية التي لم ولن تكون خاضعة للنقد في اي وقت مضى…

مازال المغردون يرددون قيم الفضيلة والتي لايجدونها الا من خلال المنظومة الدينية القيمية ومازال الناس يحرصون على التمسك الشديد بالمرويات والاساطير ومازال هناك من يقتل حسدا باذن من السماء!

وتبريرا لفهمه للنص المقدس. لم يكن ادم وهو الذي غواه ابليس حكيما بما فيه الكفاية لينقذ هابيل من القتل وقابيل من النار هذا على فرض تنزيه الآمر وعصبها براس المأمور.

انصفوا قابيلا فقد جهل بعلم غيره دون خيار منه ذلك في اسوء تقدير مع سبق الاصرار والتربص.

 

ا. د. حسن الشرع

 

 

في المثقف اليوم