أقلام حرة

هل يعود العراق الى محيطه التاريخي الطبيعي؟

عماد عليمنذ سقوط الدكتاتورية وانتقال العراق الى مرحلة لم يشهدها في التاريخ الحديث، واصبح السقوط اعظم انعطافة في التاريخ العراقي وبداية ادراك الحقيقة التي اقبرت من قبل الجهات المعتدية طوال التاريخ واصبحت عملية انعاش لاحياء الحقيقة الساطعة.

ينطق احيانا الكثيرون هنا وهناك حول ما يسير اليه العراق ويدعون بانه لا يصح في النهاية الا الصحيح ومن يمتنع عن ذلك سوف تجرفه بحر الحقيقة التاريخية التي لا يمكن ان تعود مجراها الى ما كانت تسير عليه وتاثرت بفعل المصطنعات. العراق في تاريخه الغابر لم يكن ملكا لاحد مهما كانت قوته شرقا كان ام غربا ام جنوبا، ومن يدعي بانه صاحبه من الشرق او الجنوب او الغرب منه فهو مزيف للتاريخ ويعمل وفق ايديولويا وتعصب اعمى، فان التغييرات التي حدثت له جذرية بالشكل الذي لا يمكن ان نرى الحقيقة الا بالمجهر االكتروني الحقيقي لفحص مجريات التاريخ وثناياه وبعيون مستقلة محايدة صادقة غيير مصلحية.

قال احدهم ان العراق عاد الى محيطه الاصيل منذ لحظة سقوط الدكتاتورية، ومن الواجب على اصحابه المزيفيين ان يعترفوا بانهم معتدون وغازين وماحين لطبيعته الاصلية الاساسية، وعلى هؤلاء الظالمين المعتدين ان يغادروا الى ما كانوا فيه بعيدا عن العراق وتاريخه، ولا يمكن ان يستحوذوا بعد الان على من احتلوه وغزوه وهم ما اعتدوا عليه في وقت وبغفلة من التاريخ. وليس هنا كلامنا عن صحة هذه الادعاءات وان كانت صحيحة لمرحلة ما ولكن العراق بلد عريق مستقل اصيل بعيد عن كل امبراطورية وله تاريخ عميق وغابر وحدثت فيه تغييرات بحيث لا يمكن معرفتها الا بعد التمعن  التدقيق فيها وما قبلها ومقارنتها من كل الجوانب مع ما قبلها، اي لم تبق اصالتها الحقيقية بعد كل تلك الغزوات والاعتداءات والتغييرات الديموغرافية الهائلة في كافة انحاءه، ولا يمكن معرفة الاصلاء فيه  الا بعد اماطة اللثام عن كل تلك التغييرات التي احرقت الاخضر واليابس وفرضت الغرباء عن الاصلاء، وان سالنا اين هم الاكديون والسومريون والبابليون والاشوريون في كافة مناطق العراق اليوم يمكن ان نقف لوهلة وتتراءى لدينا الحقيقة التي طمست بعد التغييرات الجارفة المطلقة عليه ان يمكننا انه  نسميه انقلاب لارض الواقع.

ان الغزاوت الاسلامية في مرحلتها استاصلت المجتمعات الاصيلة في اية منطقة وصلت اليها ايدي الغزاة بكل الوسائل والطرق باسم الدين الجديد، فان كان العراق القديم لم يكن فيه الا من كانوا اصلاء من ارض وادي الرافدين (ميزوبوتاميا) من الاصلاء وان كانت كوردستان منطقة  خاصة بنفسها ولها مميزاتها التي لم تكن متصلة او متواصلة مع العراق القديم شعبا وارضا وحغرافية وتاريخا، وان تغيرت المساحات بين الفترة واخرى لصالح هذا او ذاك، فان الحقيقة التاريخة تؤكد لنا بان العرب ليسوا باصلاء او شعب ولدوا في رحم التاريخ العراقي، ولم يكونوا في العراق الا بعد الغزوات الاسلامية التي اتت بما كانوا في الصحاري واصبحوا فيما بعد اصحاب البلد ومحوا اثار الاصلاء، فان من غزا العراق قبل مجيء الاسلام اجبروا الاصلاء على الانسحاب والرحيل بقوة السيف واستعرب العراق بقوة الايديولوجيا والدين والسيف كليا. ولم يبق من اصحاب العراق الاصليين الا من اجبر ان يتغير بصفاته بفعل المتغيرات وبالقوة الغاشمة، وانسحب الغازون الاقدم الذي اباحوا ارض العراق ايضا قبل الاسلام اثر ضربات السيف الاسلامي, وضاع العراق الاصيل بين الحانة وا لمانة اي بين الغزوات المتعددة المتتالية، ولم يبق منه الا الارض وما فيه  طبيعيا بعيدا عما كان عليه قبل الغزوات المتكررة.

ومن غزا العراق قبل مجيء الاسلام كان له التاثير المباشر ايضا على تغييره ولكنه بشكل مختلف عن الدين الصحراوي، فلم تبق الاديان الاخرى واضمحلت بشكل تدريجي ولم يصدق حتى العراقيين الاصلاء الذين استعربوا بانهم غير عرب صحراويين وليسو من مخرج الصحراء القاحلة، وهكذا ولحد اليوم لم يبق من يعتمد اصله او يعرف الحقيقة التاريخية له ولاصله، وبالطبع فهناك العوامل الكثيرة والمصالح المتغيرة والمؤثرات المعيشية والضغوطات الحداثوية للمعيشة تفرض على الفرد انكار حتى ما يعرفه من كينونته، فاصبح المال والمصالح عاملا فاصلا للادعاءات والانتماءات المختلفة.

فالاسلام ومعطياته وافرازاته المتنوعة قد يؤخر ادراك الحقيقة التاريخية كانت ام الجغرافية ومعرفة المتغيرات المطلقة والمفاصل القاطعة للتاريخ، ولكن الاصح سيحل كل شيء ويعود الى ما كان عليه بفعل مؤثرات ومواريث العمق الذي حُفر في الكيان الذي كان عليه بفعل التاريخ الطبيعي، ولا يمكن ان يبق العراق على ما حدث فيه وهو التغيير المطلق لكيانه المختلف الشكل والتركيب الى الابد.

اذن وما يجب ان نقوله بكل صراحة دون خجل وبالاخص من يدرك وله باع في التاريخ يجب ان يقول الصراحة المؤلمة  ان العراق ليس عربيا في اساسه واصله، ومن كان صاحبه قد اضمحل او هو في طريقه الى الاستئصال الكامل بفعل الغدر والتغيير بالقوة لحين سقوط الدكتاتورية البعثية قريبا جدا، واصبح التغيير مفصلا تاريخيا كبيرا لتمحور الحقيقة  حول المرتكز الاصلي والاساس القوي والعودة اليه وبدء الخطوة الاولى نحو اعادة بناء العراق كما كان عليه كعراق لا شرقية كان او غربية قبل الغزاوت الشرقية والغربية والجنوبية هي التي طمست الحقائق. فالآثار والتاريخ والجغرافية العراقية تدلنا على الحقيقة وتبين لنا ماهو العراق قبل الغزاوت وكيف كانت كوردستان وشعبها في التاريخ، وعليه لا يمكن ان يعود العراق الى الوراء ابدا مهما فعل المعتدون واستمروا في غيهم التاريخي الطويل، فالحقيقة وان تاخرت فسو تظهر وها نرى افق شروقها من اخر النفق والتغييرات التي يمكن ان تفض غبار  الغدر والظلم عن الحقيقة التي الحق بها وغطتها نتيجة الغزوات والاحتلالات، ها قد بدات التغيير المعاكس منذ التغيير المفصلي في العراق وتدوم العملية وتنصع الحقيقة التاريخية وتبينها وتوضحها وتدلنا ما كان عليه العراق يوما بعد اخر، ويدرك الجميع تاريخ العراق الحقيقي وكيف غطت عليه الادعاءات الدينية الفكرية المزيفة التي لم تات الا من اجل مصالح حفنة حافية من اله  الصحراء كما جاءت اليه الغزاوت الامبراطورية الشرقية من قبل رغم الاختلافات الكبيرة قبلها، وانتهكوا كل ما موجود فيه ولم يرحموه، واستبدلت كل الاصلاء بالمزيفات المادية منها والروحية وتشوهت بفعل الزمن كل الصفات الاصيلة الحقيقية لسكان العراق بلد الرافدين العريق. وما يثبته لنا االمنطق والحق بان لا يصح في النهاية ابدا الا الصحيح الحقيقي غير القابل للتغطية بالزيف والادعاءات الباطلة مهما طال التاريخ والزمن عليه، وان اثبتت المتغيرات المزيفة نفسها على ارض الواقع. ومختصر النتيجة الصريحة، نقول ان العراق ليس بعربي ولا فارسي وانه بلاد الرافدين وارض الخيرات، وكوردستان جغرافيا وكيان تختلف عنه ومنفصلة عنه بكل ما تمتلكه من المقومات التاريخية الجغرافية. فهل تدرك الشعوب العراقية هذه الحقيقة ام التعصب الذي زرع في كيانهم من قبل المحتلين سوف يمنعهم من التمعن لمعرفة الحقيقة الاصيلة لبلدهم وتاريخه. ونعم القول ان قلنا انه سيعود الى محيطه التاريخي الطبيعي كبلد مستقل وله صاحبه الاصيل ولا يمكن ان يبقى فيه المزيف المدعي بصاحبيته والذي افتعل جراء الغزوات ما يمكن ان يضع السدود الصلبة امام معرفة الحقيقة، فسقوط الدكتاتورية العراقية سقوط لجدار الزيف الكبير الطويل العمر الذي الحق بالعراق لمئات السنين، وبدات مرحلة مغايرة بشكل مطلق وفضت ما كانت عليه من المقيدات والمغطات للحقيقة الساطعة التي بان بريقها في بداية المنعطف التاريخي الحديث.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم