أقلام حرة

بانتظار الهجوع الأخير

ابراهيم يوسفمن النصوص التي ركنتُها في إحدى زوايا الحاسوب، وفاتَني أن أنشره في موعده كردٍ على أيها الوالدان إنكما متهمان للصديقة هيام ضمرة - من الأردن المنشور في موقع السنابل

 http://assanabel.net/archives/2594

لكن نصا (غير مرغوب فيه) في السنابل أيضا

 http://assanabel.net/archives/3350

 للصديق الأستاذ عبد الجليل لعميري - من المغرب أيقظ ذاكرتي من جديد على النص المنسي

(بانتظار الهجوع الأخير)

لأنني.. أبتغي الموتَ خليَّ البالِ

 مطمئنَ الخاطر وعاقلاً

كما فعلَ "دون كي شوت" ذات حين

.

بعيداً من أسبابِ الجهلِ والحيرةِ

 ومن التعسّف والجنون

.

 قريباً من نفسي ومن الناسِ

وحِمَى الأصدقاء

 مؤمنا بالله والعقلِ والمعرفةِ والمنطق

.

 بناءً على هذا كلِّه

اتخذتُ قراري بالرد على "الوالدين المتّهمَيْن".

***

قرأتُ مقالتك بكثير من العناية والهدوء.. ومن التّحفظ الملحوظ أيضا. أمّا وقد تجاوزتُ بعض الدّواعي الطارئة والظروف المحيطة للرد وإبداء الرأي؟ فلن أكتفي فحسب بتعقيب سريع. لكِ خالص محبّتي وأمنياتي يا أم هيثم. عشتِ يا صديقتي ولْتَبْقَ أيامُنا مفتوحة على الغايات النبيلة وسلطة الفكر البَصير، وعلى الصدق والمحبة والصراحة والرأي العادل السديد.

حتى ولو لم أتابع بدقة ما الذي أقدمتْ عليه الفتاة، المعنيّة في مقالتك عن الوالدين "المتهمين بالتقصير"..؟ إلاَّ أنني من خلال ما تفضلتِ بقوله، والتأكيد على التصدي للتفلّت من قواعد السلوك الحسن والخلق الحميد، والحريات الخارجة على بعض المبادىء والأعراف، التي يخضع لها ويعمل بها من هم حولنا، ممن يسعون في مناكبها ويأكلون من رزقها.

لكن مضمون المقالة حَرَّضني على الرد وإبداء الرأي، والتوقف عند التفاوت والمقارنة، بين ما نفكر فيه كمجتمع ملتزم بقناعات، لا ينبغي أن تكون كتلة صلدة لا تتحرك، أو قِيَماً اجتماعية ودينية متطرفة، وكثيراً من الأمراض الفتّاكة في الاجتهاد، بفتاوى منافية للعقل والمنطق والدين، ما يثير الخشية والخوف والحنق.. حتى حدود الغضب الشديد.

كأن لا يجوز للزوجة في بعض الديار، تشغيل مكيف التبريد والطقس لهيب، عندما يكون زوجها غائبا عن المنزل، لئلا يتبادر إلى ذهن "مارقٍ" على الطريق أن في المنزل زوجة وحيدة!؟ وربما سولت له نفسه الأمارة بالسوء، أن يقتحم المنزل - ولسنا نعيش في غاب - وما قد تتعرض له الفريسة المُحتملة، من صحوات "التعنت والإرهاب الفكري الجديد"!؟.

وإذا خطر للزوجة أن تنعم بقليل من الحرية وتخرج لبعض الدواعي، كزيارة ذويها أو شراء الخضار؟ فمن حق الرجل عليها طلب الإذن المسبق لمغادرة "سجنها"، وربما مع حراسة مشددة في الطريق. وآخر ما تناهى إلى سَمَعي منذ أيام قليلة في نشرة إحدى القنوات؟ فتوى أتحفنا بها مرجع في مصر، يقضي بجواز ضرب الزوجة فلا يبلغ تكْسيرَ العظام.!

ناهيكِ عن فتوى الإرضاع الشهيرة ابتغاءً للحلال، ممن تباركتْ عمامتُه تاجا على رؤوسنا بلحيته وشاربيه الحليقين. لئن كان يريد تحريك الغرائز ففي البورنو ما يفيض - هذه المفردة أثارت ضحك الحضور لغبائي، وأنا أسأل مرة ما تعني- وربما أدهى ما قرأته على الإطلاق عن تفخيذ الصغيرات. ألا ينبغي أن نشعر بالخجل، ونلعن الشيطان.. على فتواه.؟

والعجب المقرون بشعور لا يوصف، من النفور والتقزز في فتوى مواطأة الزوجة المتوفاة..! "قوليلي" بربك يا هيام ما هذا الفكر المغرِق في القرف والعقل الساقط المريض..؟ وأين نحن مما هي عليه الفتاة من السلوك "الشائن"، ولو في أعلى مراتب التمرد والعصيان..! لئن بلغت حد البغاء..؟ سيكون البغاء مقدسا بالمقارنة مع مواطأة الوداع.

"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ - مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ". جلّ جلاله سبحانه وتعالى أن يرضى "بحماقة الزلل"، والتّرخيص (لفدَّانٍ) له شكل البشر بمواطأة الختام. تبلغوا وبلغوا أيها المُفْتون في جنبات الأرض أن الإنسان على صورة الله ومثاله، وأننا من صنف البشر كما تدل أشكالنا، ولسنا أبدا من الحيوان.

https://www.annahar.com/article/664300

وبعد؛ أين لا يقف هؤلاء إلى جانب الرجل، ويناصرونه على حساب التعسف في النيل من قيمة المرأة الحيَّة العائشة؟ حتى في الحقوق البديهية كالحضانة والميراث والشهادة وغير ذلك. صدقيني أن الدنيا عندنا ليست "بألف" خير يا هيام. حتى في بعض الجوانب البسيطة، مما يضيق ذكره في تعقيب لا أريده أن يورطني، أو يطول ويضيع في متاهة ليست في البال.

في الغرب نجحوا في استئصال الجدري والهواء الأصفر، وابتكار الأدوية والأمصال وأدوات الجراحة وتأصيل النبات، وطائرات تجاوزت سرعة الصوت. ناهيك عن وسائل الاتصال، ومنجزات علمية هائلة.. لا فرق سهَّلت أو عقَّدت الحياة.

فماذا فعلنا بالمقابل وفي حساباتنا أموال الدنيا..!؟ إلا ّ الإصرار على البراءة من خديعة التكفير وتغطية سيقان النساء. ولا زلنا لم نحسم بعد طريقة الوضوء: من.. أو إلى المرفقين. وكيف نُراكِمُ حسنات الدنيا في احتفال صاخب، بلغ أسماع أهل الحيّ للعبور إلى الفردوس، ونحن نسمع طبلاً وزمراً في المسكن المجاور، لأن سكانه تمكنوا من قتل "بُوْ بْرَيْصْ"..!

الغرب مليء بالخمرة والنساء ممن يكشفن عن سيقانهن - وهذه ليست دعوة فاجرة لتقليدهن على الإطلاق - ومعظمهن عفيفات ومنيعات على أصحاب الفحولة المتفذلكين من الرجال، وأنا أولا وأخيرا أدافع عنك وعن بناتك وبناتي يا هيام. ويبقى "جنوح" الفتاة عن "القيم" مرفوضا في العموم، ما دام بعض من في الغرب يرفض ما راحت إليه الفتاة.

ولي شهادة صادقة على ما رأيته إبان دورة دراسية، حينما اقترحتْ عليّ عاملةُ فندقٍ؛ أن أستفيد من موسم الأوكازيونات في (Pau) مدينة في تلك الديار. وانتظرتُها كما اتفقنا في بهو الفندق في اليوم التالي، فتأخرتْ طويلا عن الموعد المحدد، ثم أقبلت مسرعة لتعتذر إليّ بأنها لن تتمكن من مرافقتي للتسوق، فالبلدة صغيرة والناس يعرف بعضهم البعض.

 ثم صارحتني عن تحفظها، أن أحدا في البلدة لو رآها معي..؟ لعيَّرها برفقة رجلٍ غريب ما يؤثر على مستقبلها في الزواج. ثم من يضمن لها كما قالت بأن لا أضايقَها، أو أتحرش بها في رحلتنا إلى المدينة..؟ وذلك بحث مختلف آخر.

ألا تعتقدين معي أن الأمر سيختلف لو كانت الفتاة شابا..؟ وهو يقتحم المسرح مُزْبَطِرَّاً بفحولته فيحتضن المغنية أو الممثلة، ويغمرها ويشم رائحة عطرها، وربما تمادى أكثر وقبلها في فمها..؟ لينال نصيبا أعلى من الإعجاب والتصفيق.

التطرف يا صديقتي أو الاعتدال، لا يكون في جانب واحد بل في الجانبين على السواء. وأما نهج الإسلام فلا ينبغي بل لا يجوز أن يكون وحده "الإيديال". في اليابان يدينون بالبوذية وليس بالإسلام، ولا يشكون من الجنوح والتمرد والفلتان. ألا تعتقدين معي أنهم في اليابان، أحسن مما هي عليه أحوالنا في "لبنان"..!؟ وليس في سواه من سائر بلدان الجوار.

 ويبقى العدل في التوازن من وجهة نظري؟ لا يتعدى تحكيم العقل والمنطق في مختلف الأحوال. وجملة القول إن (رهف) المسكينة تعيش كما تراءى لي وسط مجتمع شديد الانغلاق، معروف بالتزمت والتضييق على حرية المرأة..؟ وهكذا فإن التشدد والكبت يقوِّي الواحد منهما الآخر، ويؤديان إلى الحرمان ثم الرفض "والانحراف" والضياع في نهاية الأمر.

"أما أولادكم في رأي جبران فليسوا لكم. بل أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها. بكم وليسوا منكم يأتون إلى العالم. يعيشون معكم وليسوا ملكاً لكم. تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم. لأن لهم أفكارهم الخاصةً بهم .في قدرتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. لأنها تقطن في مساكن الآتي، ولن تتمكنوا أن تزوروا مستقبلهم ولو في أحلامكم، ولكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم؟ لكنكم عبثاً تحاولون".

 أن نؤمن ونعمل؟ إنِّه المثلُ الأعلى. أن نؤمن ولا نعمل؟ هزيمةٌ وعجزٌ وتقصير. أن نعمل ولا نؤمن؟ هوالعمى يصيبُ القلوبَ قبلَ العيون. أن لا نؤمن ولا نعمل؟ ذلك هو الضياعُ بعينِه وضرب من المستحيل. قلتُ بعضَ ما في خاطري، واستغفرتُ الله ربي لي ولكِ واستغفرتُه للمؤمنين والكافرين. وأنهيتُ كلامي إلى نوم مؤقت.. بانتظار الهجوع الأخير.

 

إبراهيم يوسف – لبنان

 

في المثقف اليوم